خاص مجلة "القدس"العدد 343 تشرين الثاني 2017- حوار/ ولاء رشيد


  عبرَ جميعِ محطَّات نِضالنا وكفاحنا الوطني، أدَّت المرأة الفلسطينية عمومًا، والفتحاويّة على وجه الخصوص، دورًا رياديًّا في الميادين كافةً، فقاتلت إلى جانب الرّجل، ونفَّذت العديد من العمليات الاستشهاديّة والفدائيّة، وقامت بدور تنظيميٍّ فاعلٍ، وبذلَت بالتّوازي مع ذلك جهدًا بارزًا في حفظِ الأمن الاجتماعي والاقتصادي لعائلتها. وفي السّاحة اللبنانية، تحمَّلت الفتحاويّاتُ هذه المسؤولياتِ مضاعفةً بحكم اللُّجوء وتِبعاته مُغلِّباتٍ الهمَّ الوطنيَّ على حساب حياتهن وحقوقهن الاجتماعية، ولكنَّهن رغم ذلك اضطلعن بالمهمّات الموكَلة إليهن ضمن أُطُرِهن التنظيميّة على أكملِ وجهٍ، وحقَّقن الإنجازات المشهودة. وللاطلاع على إنجازات المكتب الحركي للمرأة ودور الفتحاويّات في لبنان على المستويات كافّةً، التقت مجلّة "القدس" إحدى أبرز نماذج المرأة الفتحاويّة المناضلة في لبنان، وهي عضو قيادة حركة "فتح" – إقليم لبنان، مسؤولة المكتب الحركي للمرأة، زهرة ربيع الوكّال، فكان معها الحوار التالي.

بدايةً هل لكِ أن تُقدِّمي للقُرّاء نُبذةً عن المكتب الحركي للمرأة في لبنان وأهمِّ أهدافه؟
المكتب الحركي للمرأة في لبنان هو إطارٌ تنظيميٌّ من الأُطُر التنظيمية لحركة "فتح" – إقليم لبنان، وبطبيعة الحال يتمتّع بالأهلية العددية، ويقوم على هيكلية تنظيميّة متكاملة، ويخضع للمتابعة التنظيميّة، ويُعدُّ المرجعيّة للمرأة الفتحاويّة، إذ يضمُّ النّساء الحركيّات كافّةً كلٌّ في إطارها. ويعملُ مكتبنا الحركي وَفْقَ البرنامج الوطني الحركي، وحسب توجيهات وإرشادات القيادة الفلسطينية، وهو ينشط كخليّة نحلٍ في جميع المخيّمات والتجمُّعات الفلسطينية في لبنان.
ولأنَّ المرأة الفتحاوية جزءٌ ومكوِّنٌ أساسيٌّ من المجتمع الفلسطيني عامةً ومن حركة "فتح" على وجه الخصوص، يعملُ المكتب الحركي للمرأة على تفعيل مشاركتها وتعزيز دورها والارتقاء به حركيًّا وسياسيًّا ونقابيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا إلخ، انسجامًا مع الواقع الفلسطيني في لبنان ومتطلَّبات المرحلة وتطلُّعات المرأة الفتحاويّة.

ما هي أهمُّ البرامج التي يُنفِّذها المكتب الحركي للمرأة في لبنان انسجامًا مع أهدافه؟
يعملُ المكتب الحركي للمرأة في لبنان وَفْقَ عدّة برامج أساسية على أكثر من صعيدٍ ومستوى. فعلى المستوى السياسي والتنظيمي والتوعوي، نعقِدُ الجلسات التنظيميّة، ونُناقشُ التعميمَ السياسي لتوعية وتثقيف الأخوات، إضافةً إلى مناقشة الموضوعات المطروحة في مجلّة "القدس"، والتي نعتبرها مادةً تثقيفيّةً أساسيّةً، نظرًا لما تتضمَّنه من مقالاتٍ وحواراتٍ وتحقيقاتٍ مهمّةٍ في مختلَف المجالات، إلى جانب تنظيم الدورات التثقيفية والسياسية ضمن المناطق. وتخضعُ المنضويات في المكتب الحركي للمرأة لدوراتٍ توعويّةٍ حول مناهضة العنف، وخاصّةً العنف ضدَّ المرأة والأطفال، وكيفيَّة التّعاطي مع هذه المشكلة ومعالجتها، ودوراتٍ حول حلّ النّزاعات، وتمكين المرأة من المشاركة في الحياة السياسية والعامّة لتنمية قدراتهن ليواجهن الحياة اليوميّة. وعندما نتحدَّث عن النساء فإنَّنا نتحدَّث عن الشريحة الكبرى من المجتمع، لذا نعمل بشكل دائمٍ على دمجهن في جميع المجالات للوصول بالمرأة إلى مراكز صُنع القرار سواء أكانت سياسيّة أم إداريّة، وعلى صقلِ مواهبهن وقُدراتهن وتنميّة وتطوير مهاراتهن، وكلّ ذلك في إطار الهدف الأساسي وهو تحرير الأرض والإنسان. ولا بدَّ من الإشارة إلى وجود تداخلٍ ما بين العمل التنظيمي والعمل النقابي بالنسبة لعمل المكتب الحركي للمرأة، كون التنظيم هو الذي يُغذِّي النقابات والاتحادات. بمعنى آخر، فإنَّ المكتب الحركي للمرأة يُغذِّي "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية"، هذا الاتحاد الذي يُمثِّلُ ركيزةً من ركائز منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي نجِدُ أنَّ معظم الأخوات في المكتب الحركي للمرأة يعملن في أُطُر "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" وضمن برامجه كافّةً، كرياض الأطفال، ومراكز المسنين، ومراكز دروس التقويّة، ومركز الاستماع، والمكتبات، وبرامج محو الأُميّة، وبرامج القروض (وهي أكثر من أربعة برامج تُديرها النساء، وتهدف بشكل أساسي لتمكين النساء والشباب اقتصاديًّا).
وعلى المستوى الاجتماعي، ينشط دور المكتب الحركي للمرأة في خدمة مجتمعنا الفلسطيني المحلّي، إذ نجد المرأة الفتحاوية سبّاقةً وذاتَ دورٍ رياديٍّ في كلِّ عملٍ من شأنه تحسين وضع مجتمعها. فعبر التواصل والتنسيق ما بين المكتب الحركي والجمعيات والمؤسّسات وفاعلي الخير والجهات الدولية المانحة، والاطلاع المسبَق عبر الزيارات على أوضاع أهلنا في المخيّمات والتجمُّعات، يتمُّ تقديم المساعدات العينيّة والماديّة للمحتاجين إليها من أبناء شعبنا. وفي هذا السّياق، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قدَّمنا عددًا من الحقائب المدرسية للطلاب مطلع العام الدراسي، وكسوةً لنحو 1500 طفل فلسطيني في لبنان بقيمة 70دولار للفرد مقدَّمة من هيئة الإغاثة، وكان قد سبقها كسوة لنحو 400 طفل وامرأة ومساعدات عينية وماديّة في رمضان من فاعلي الخير، وهنا لا بدَّ من توجيه الشكر لمسؤول "جمعية الهلال الأخضر اللبناني" طارق فاعور لما تقدّمه الجمعية من مساعدات لأبناء شعبنا ولتنسيقه وتعاونه الكامل معنا على مدى طويل، وهو كان قد قدَّم هذا العام نحو 9 أطنان من التَّمر جرى توزيعها على رياض الأطفال، إضافةً إلى أغطية للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصّة وللمسنين، ووجبات إفطارٍ رمضانيّةٍ لنحو 1300 يتيم وفقير.

ما هي أبرز الصعوبات التي تعترض عملَكُن؟
لا يوجد عملٌ لا تعترِضُه صعوباتٌ وتحدِّياتٌ. فحركة "فتح" ككل واجهت العديد من التحدّيات منذ انطلاقتها، والمرأة كمكوّنٍ من مكوِّنات هذه الحركة، واجهت ما واجهته الحركة عبر المراحل النّضالية في كلِّ الساحات. إلّا أنَّه  يمكن الفصل بين واقع المرأة الفتحاوية ونضالها في الوطن وواقعها ونضالها في لبنان، حيثُ أنَّ المرأة في الوطن ترزح تحت احتلال، وتجربتها تختلف عن تجربتنا في الشتات، ولكنَّنا بدورنا في لبنان واجهتنا معاناةٌ أيضًا، هي معاناة اللُّجوء بفعل النّكبة، وما صاحبَ هذا اللُّجوء من مشكلاتٍ على رأسها الفقر والبطالة، وتقليصات "الأونروا" ووجود تجمُّعات لا تشملها خدمات "الأونروا" أيضًا، ولأنَّ المرأة هي ركيزة أساسية في المجتمع الفلسطيني، فإنَّ هذه المعاناة ضاعفت من مسؤوليّاتها، وألقت عبئًا أكبر على كاهلها لتكون قادرةً على مساعدة شعبنا بالشكل المطلوب، رغم ندرة الموارد وقلّة الجهات الداعمة. وفي الوقت ذاته، يُمكننا القول إنَّ التعاون والتنسيق الذي وصلنا إليه داخل أُطُرِ المكتب الحركي للمرأة هو ما مكَّننا من تحقيق النجاحات وتذليل العقبات.

 ما هو تقييمُكِ لأداء المرأة الفتحاوية في لبنان على جميع المستويات الاجتماعية والتنظيمية والسياسية؟ وبرأيكِ إلى أيِّ مدى نالت المرأة الفتحاوية في لبنان المكانةَ والدورَ اللّذين يتوافقان وحجم تضحياتها؟
منذُ البداياتِ انخرطت المرأةُ الفلسطينيّةُ، وتحديدًا الفتحاويّة، في الكفاح الوطني الفلسطيني عبر محطّاته كافّةً، إذ شاركت منذ العام 1929 في ثورة البراق، وفي النّضال خلال فترة الانتداب البريطاني، وأثناء النَّكبة واقتلاع شعبنا الفلسطيني، وحرب العام 1967، والانتفاضتَين، فحملت السلاح وتقدَّمت الصفوف وقاتلت إلى جانب الرجل في المعارك الميدانية، كما قادت المواجهات في ظلِّ اعتقال واستشهاد العديد من الرّجال، وأدَّت دورًا أساسيًّا في العديد من العمليات الفدائية، واستُشهِدَت وأُسِرَت وجُرِحَت، وفي هذا السياق نستذكرُ العديد من مناضلاتنا في الوطن والشتات اللّواتي لهن تاريخٌ نضاليٌّ مُشرِّفٌ نعتزُّ ونفتخرُ به، كالشهيدة دلال المغربي وهي عَلم من أعلام الثورة، وكالاستشهاديّات وفاء إدريس وآيات الأخرس وأول أسيرة فاطمة برناوي، والشهيدتَين هدى زيدان وهدى شعلان، والأسيرة المحرَّرة آمال الشهابي في لبنان، وغيرهن كُثر.
وخلال فترة اللّجوء في لبنان وما تلاها من محطَّاتٍ صعبةٍ، كالحرب الأهليّة اللبنانيّة، والاجتياح الإسرائيلي للبنان، والمجازر التي حاقت بشعبنا من تل الزعتر وصبرا وشاتيلا وغيرها، دافعت المرأة عن مخيَّماتها، وساندت الفدائيين عبر صُنع الغذاء وإيصال الذخائر لهم والطعام والمساعدات للمحاصرين في المخيّمات، وساهمت في إعادة إعمار المخيّمات التي دُمِّرت، إلى جانب تأديتها الدور الإغاثي والخدماتي خلال فترات الحروب والأحداث كما في حرب تموز، ثُمَّ تهجير أبناء شعبنا من مخيّمات سوريا، وبموازاة ذلك عملت في المجال المؤسساتي، فأسَّست رياض الأطفال، وأسَّست وأدارت المؤسّسات والجمعيات والمشاريع الإنتاجية ضمن المكتب الحركي للمرأة وفي إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وانخرطت في العمل التنظيمي، حتى وصلت لأعلى المراتب التنظيميّة، وتمكَّنت من تحمُّل هذه المسؤوليات كافّةً بقدر عالٍ من المهنية والدقّة والمهارة، وتتعدَّدُ قصصُ النجاح التي سجَّلتها النساء في جميع البرامج سواء أكان ضمن مكتب المرأة أو ضمن الاتحاد العام للمرأة، وهناك شهادة نعتزُّ بها من قِبَل القيادة الفلسطينية في لبنان بأنَّ المرأة حاضرة دائمًا في جميع الفعاليات والنشاطات والبرامج الحركية والوطنية المتعلّقة بشعبنا الفلسطيني عمومًا، ومنها فعالية التنديد بوعد "بلفور" التي نُفّذت مؤخَّرًا أمام سفارة بريطانيا، وهذه الشهادة تُحمِّلنا مسؤولية أكبر كنساء فلسطينيات. كذلك نجِدُ اليوم أنَّ المرأة تشغل مناصب عليا كثيرة في المؤسَّسات الرسميّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والأمنيّة، ونعتزُّ بأنَّ العديد من النساء يعملن اليوم في سلك الشرطة، وهذا جزءٌ من نضال المرأة المتجذِّر بالقضية الفلسطينية. ورغم اللُّجوء، والواقع الصعب في المخيّمات والتجمُّعات الفلسطينية في لبنان، تمكَّنت المرأة الفتحاوية من إثبات حضورها في كلِّ الميادين، وإلى جانب همِّها العائلي، حمَلَت الهمَّ التنظيمي والوطني، بل وغلَّبته على حساب حقوقها الاجتماعية والإنسانية، وتمكَّنت من الحفاظ بعد كلِّ هذه السنوات والمصاعب على الإرث والتراث الفلسطيني، وعَمِلَت على تواتر الذاكرة، وتنشئة أجيال فلسطينية تتمسَّك بالأرض، والتراث، والحقِّ بالعودة إلى فلسطين، والمرأة الفتحاوية اليوم هي الأُم، والمعلِّمة، والطبيبة، والإعلاميّة، والرّائدة في كلِّ ميدان يخدم مجتمعَها، وما زالت تحملُ الرّسالة السّامية والهدف الأساسي وهو تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
ونظرًا لأهمية الدور الذي تُؤدّيه المرأة في عمليّة البناء والتّطوير، أفردت حركة "فتح" لها حيّزًا مُهمًّا منذُ البدايات، ولطالما كان الرئيس الشهيد ياسر عرفات يعتبر المرأة الجبهة الداخلية والسياج الذي يحمي الوطن، كما أولى السيّد الرئيس محمود عبّاس أهمية ًكبيرةً للمرأة، ووقَّع على عددٍ من القرارات والاتفاقيات الخاصّة بها من بينها اتفاقية التمييز ضدَّ المرأة، وبدورها ناضلت المرأة من أجل إقرار النسبة التمثيلية الخاصّةَ بها "الكوتا النسائية" في المجلس المركزي، وفي أُطُر "م.ت.ف" وحركة "فتح" كافّةً، ولا أقول إنِّها قد أخذت حقوقَها الكاملة، لكنَّها تمكَّنت من الحصول على نسبة 20%، وهذا حقُّها وليس مِنّةً من أحد، بل هو نتيجة طبيعيّة لتراكم إنجازاتها وجهودها، ونحن سنواصلُ العمل حتى الوصول لنسبة 30%، بحيثُ نكون قد قدَّمنا للمرأة الفتحاوية التمثيل الذي تستحقه بما يرتقي لمستوى فاعليتها وتاريخها النضالي والتضحيات والجهود التي بذلتها.

نحنُ الآن في خضمِ استحقاق تنظيمي بالغَ الأهميّة هو عقدُ مؤتمرات المناطق، ثُمَّ مؤتمر الإقليم، فما هي رسالتُكِ للكادر الفتحاوي عمومًا، وللمرأة الفتحاويّة على وجه الخصوص؟
المؤتمرات الحركيّة هي استحقاقٌ تنظيميّ حركيّ يُنظَّم بشكلٍ دوريٍّ حسب النّظام الداخلي، لمناقشة تقارير اللِّجان، وتقييم التجربة السابقة، ووضع الخُطط التنظيميّة للمهمات المختلفة، ومناقشة القضايا الحركية العامّة ووضع التوصيات بشأنها، والعمل على استنهاض الأُطُر الحركية ووضع البرامج التنظيمية لها، والعمل على تجديد جسم الحركة من خلال بثِّ روح الاستنهاض فيها، ولا سيما عبر ضخِّ دمٍ شبابي جديد، من أجل ضمان الاستمرارية في بناء الأجيال لتحقيق الأهداف المنشودة وهذا من حقّ الشباب، فهناك قيادات شبابية فاعلة لها الحقُّ في أن تأخذ الفرصةَ والدورَ الذي تستحقُّه، وهو ما من شأنُه تطوير واستنهاض العمل الحركي. وبالنسبة للمرأة، نطمح كذلك أن تصل نسبة تمثيلها لـ30%.
وبالطبع فإنَّ هذه المؤتمرات تتكلَّل بالانتخابات، ولأنَّ اختيار مُمثِّلي الحركة هو مسؤولية وأمانة، أدعو الكادرَ الفتحاويَّ عمومًا لتحكيم ضميره، والتّعاطي مع هذه الاستحقاق بما يخدم حركتنا الرائدة ويُسهِم في استنهاضها وتصليبها، والاختيار من بين المرشَّحين بناءً على الكفاءات والعطاء والسيرة النضالية والمواصفات المطلوبة، لأنَّ الاختيار هو مسؤولية وأمانة ووفاء لهذه الحركة، وأدعو الفتحاويات اللواتي يرين في أنفسهن الكفاءة والقدرة على حمل المسؤولية للإقبال على ترشيح أنفسهن، فهذا حقُّهن.

هل من كلمة أخيرة تتوجَّهين بها؟
في هذه الأيام، يُحْيي شعبُنا الفلسطيني في أماكن وجوده كافّةً، الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد الرئيس الرّمز ياسر عرفات، مُؤسِّس حركة "فتح" ومُفجِّر الثّورة الفلسطينية، هذا القائد العظيم الذي نفتخر به أبًا وقائدًا ومُفاوضًا ومحاورًا، وهو الذي حوّل القضيّة الفلسطينيّة من مسألة "جموع لاجئين" إلى قضيّةٍ سياسيّةٍ موضوعةٍ على الطاولة السياسية العربيّة والدوليّة، ونالَ احترامَ وتقديرَ العالم أجمع بحنكته وحكمته وحُسنَ قيادته، وبحيويّته النضاليّة، وجولاته وبطولاته وصموده على امتدادِ ساحات الصراع. ورغم رحيله جسدًا، لا يزال أبو عمَّار خالدًا في القلوب والعقول والضّمائر بلفتاته الإنسانية، وبمواقفه الشجاعة وجرأته وتضحياته دفاعًا عن حقوق شعبنا الفلسطيني، وإصراره على استقلاليّة القرار الوطني الفلسطيني، وعدم المساومة على قرار حركة "فتح" و"م.ت.ف".
 وفي هذه المناسبة العزيزة على قلبِ كلِّ فلسطيني وكلِّ حُرٍّ في هذا العالم، نُجدِّد عهدنا بالسّير على الدّرب والنّهج الذي خطّه، مؤكِّدين دعمنا والتفافنا الكامل حول خليفته حامل شعلةِ الكفاحِ والّنضالِ، المؤتمنِ على الثوابت الوطنية، فخامة رئيس دولة فلسطين محمود عبّاس، الذي يخوض اليوم أشرس المعارك على الجبهات كافّةً، من سياسية، ودبلوماسية، وقانونية، بهدفِ دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس الشرقية، وتبييض المعتقلات، ونيلِ شعبنا حقّه في تقرير المصير، وعودة اللاجئين استنادًا إلى القرارات الدولية وعلى رأسها القرار 194.
ونتوجَّه بتحيّة إجلالٍ وإكبارٍ إلى جميع النّساء الفلسطينيات المناضلات، وفي مقدَّمهن الشهيدات والأسيرات والجريحات، وأُمَّهات وأخوات وبنات الشهداء والأسرى، وإلى أرواح جميع شهدائنا وأسرانا وجرحانا وذويهم، ونؤكِّد لهم أنَّنا معهم قلبًا وعقلاً، وسنبقى على العهد والقسَم حتى تركيع الاحتلال وإزالته، وتحقيق أهدافنا الوطنية، وإنّها لثورةٌ حتى النَّصر بإذن الله.