بقلم: حسن بكير

سجل العدو الإسرائيلي مليء بالمجازر والجرائم بحق المدنيين العزل وخاصة الأطفال، واستحق بجدارة وبمرتبة الشرف دخول كتاب "غينيس" من أوسع أبوابه. ولعل مجزرة صبرا وشاتيلا التي إرتكبت في العام 1982 وعلى مدى ثلاثة أيام متتالية 16 و17 و18 أيلول، كانت من أبشع المجازر التي إرتكبت بحق الفلسطينيين واللبنانيين في العصر الحديث، وبسكوت دولي مخزٍ ومعيب. تلك المجزرة كان مهيأ لها الأرضية الصالحة لارتكابها. فخروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان حسب الإتفاقية التي أبرمها وزير الخارجية الأمريكية فيليب حبيب مع منظمة التحرير، وإعطاء الضمانات الدولية لحماية المخيمات الفلسطينية التي لم تنفذ ، إغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل، إنسحاب القوات الدولية من محيط مخيمي صبرا وشاتيلا وتركهما بلا حماية دولية. هذه الظروف سمحت لإسرائيل بارتكاب جريمتها على أيدي عملائها من الميليشيات اليمينية المسيحية.

خمسة وثلاثون عاماً مضت ودماء الشهداء لا زالت تستصرخ العالم والضمائر الحية للإقتصاص من القتلة، وكل عام تُنكأ هذه الجراح والذكريات التي لا تدمي إلا قلوب أهالي وعوائل الضحايا.

كعادتها من كل عام وإحياءً لذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا وتخليداً للشهداء الذين سقطوا على أيدي العدو الصهيوني وعملائه في لبنان، أقامت بلدية الغبيري وبالتعاون مع "لجنة إحياء ذكرى مجازر صبرا وشاتيلا"، مهرجاناً خطابياً في قاعة المركز الثقافي (رسالات) التابع لبلدية الغبيري- قرب السفارة الكويتية، صباح الجمعة 2017/9/22، بعدها إنطلقت مسيرة باتجاه مثوى شهداء المجزرة ووضعت الوفود المشاركة أكاليلاً من الزهر على النصب التذكاري للشهداء.

شارك في إحياء الذكرى رئيس إتحاد بلديات الضاحية الجنوبية معن الخليل، وسعادة سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، والمستشار الثقافي في سفارة إيران الدكتور محمد حسين شريعتمدار، وأمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" في لبنان فتحي أبو العردات، وعضو المجلس الثوري لحركة "فتح" آمنه جبريل، وممثلو الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية، وممثلو فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وتحالف القوى الفلسطينية، وممثلو القوى الإسلامية الفلسطينية، وممثل حزب الإتحاد، و45 شخصية من بلدان: إيطاليا، إسبانيا، فنلندا، الولايات المتحدة الأمريكية، سويسرا، بريطانيا، وفرنسا (جمعية كي لا ننسى)، والجمعيات الأهلية الفلسطينية واللبنانية، ومؤسسة بيت أطفال الصمود، وعوائل وأهالي الشهداء.

بدأ  الحفل بالنشيدين الوطنيين اللبناني والفلسطيني، ثمَّ كانت كلمة المقاومة اللبنانية ألقاها الحاج حسن حب الله جاء في كلمته: نثمِّن عالياً الدور الذي تقوم به هذه اللجنة (كي لا ننسى) التي تأسست من دول أوروبية غربية استفزها هذا العمل الوحشي الإرهابي، وجاءت من بلاد بعيدة لتقف معنا وتتضامن وترفض هذه الوحشية البربرية، التي قامت بها اسرائيل، كما نشكر بلدية الغبيري التي دائماً تستضيف هذا النشاط في كل عام لتكون هذه الراية دائما مرفوعة، ودائماً تستذكر وتستحضر الجرائم الصهيونية التي لم تنتهِ ولن تنتهي إلا بزوال اسرائيل ونهايتها.

ولفت حب الله أنَّ دولة اسرائيل قامت على المجازر ويجب أن تحاسب لارتكابها المجازر بحق الشعب الفلسطيني واللبناني وشعوب المنطقة، وهذه مسؤولية ملقاة على عاتق العرب أولاً وعلى المجتمع العالمي من منطلقات إنسانية. معتبراً أنَّ المسؤولية تقتضي ملاحقة هذا العدو الغاصب بكل الوسائل لمحاسبته وإدانته ومعاقبته على هذه الأعمال الوحشية. مشيراً أنه علينا أن نقف في وجهه بمختلف الوسائل وفي مقدمتها المقاومة المسلحة التي أجبرت وتجبر العدو على أن يراجع كل حساباته.

وشدد حب الله على وجوب الوحدة إلى الأمة العربية وإعادة روح المقاومة، وروح المواجهة، لهذه الأمة الذي انشغلت بصراعات جانبية وداخلية فرضها الاستعمار العالمي.

وأشار حب الله أنَّ إدانة المجازر ليس خطابياً وليس إعلامياً إنما بشكل عملي عن طريق معاقبة هذا الكيان، أي عبر المقاومة كما حصل في لبنان، وكما يحصل في فلسطين، وما حصل في المسجد الأقصى قبل أسابيع يدل على أننا قادرين، اذا توحدنا، على أن نكسر شوكة هذا العدو وإلى أن نعيد أمتنا الوحدة حول قيمها ومقدساتها.

كلمة فلسطين ألقاها سعادة سفير فلسطين في لبنان السفير أشرف دبور جاء في كلمته: "وجودنا هنا بعد هذه الأعوام ليس فقط لإدانة المجزرة ومن قاموا به إنما هو للتعبير عن أنَّ قضيتنا مستمرة وشعبنا ماضٍ مستمر بتحقيق أهدافه رغم كل ما يرتكب بحقنا من جرائم.

واستذكر السفير دبور الجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 حيث صمد الفلسطينيون واللبنانيون ثمانية وثمانون يوماً واستبسلوا دفاعاً عن عاصمة العواصم بيروت على الرغم من قصفها بشتى أنواع الأسلحة منها المجرب وغير المجرب كقصف بناية الصنايع بالقنابل الفراغية مستهدفين بذلك القائد الرمز أبو عمار. والنتيجة كانت الفشل الذريع للقوات الغازية مما استدعى تدخل المبعوث الأمريكي فيليب حبيب لحفظ ماء وجه أكبر ألة عسكرية في المنطقة بطرح أفكار أدت إلى تفاهمات لخروج أبطال الصمود من بيروت مرفوعي الرأس يمتشقون سلاحهم وليس كما تمنى وجاهر قادة العدو وعلى رأسهم شارون الخروج بالراية البيضاء.

تحدث بعدها السفير دبور عن كيفية إنسحاب القوات متعددة الجنسيات ودخول الجيش الصهيوني وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا رغم الضمانات الدولية التي قدمتها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بعدم التعرض للمدنيين.

وعدّد التاريخ الطويل للجرائم والمجازر الاسرائيلية ذكر منها: دير ياسين، والطنطورة، وقبية، وكفرقاسم، والحرم الابراهيمي، وقانا، وجنين، وحرق الأطفال وقتلهم بدم بارد وأمام أعين العالم أجمع دون حسيب أو رقيب.

وعن حق العودة قال السفير دبور:"نؤكد على إصرارنا وتمسكنا بحقنا الثابت بالعودة إلى وطننا الحبيب فلسطين وهذا الحق أقرته الشرعية الدولية كما أكَّدت عليه القمم العربية وتؤكده القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ولن يستطيع كان من كان أن يفرض علينا غير ذلك، نحيي الموقف الذي أعلنه فخامة الرئيس اللبناني ميشال عون أمام الجمعية العام للأمم المتحدة بتأكيده على حق العودة لشعبنا إلى دياره. ونجدد العهد والوعد بأننا سنبقى المحافظين على العلاقات الصادقة والأخوية التي تجمعنا ومؤكدين على التزامنا الثابت بالحفاظ على الأمن والاستقرار في الوطن الذي استضافنا منذ هجرتنا القسرية عن وطننا وهذا باجماع وطني فلسطيني وعلى كافة المستويات الشعبية والفصائلية والقيادية ولن تكون مخيماتنا ممراً أو مستقراً للعبث بالأمن اللبناني".

وتفاءل دبور بقرب الأمل والتخلص من ألم الانقسام والوصول إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية والوئام الفلسطيني بالجهد المصري الحريص على فلسطين وقضيتها. شاكراً جهود الأخوة في جمهورية مصر العربية.

وتوجه بالشكر لكل من قام بدور إيجابي في سبيل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية والنابع من حرصه على القضية الفلسطينية. وخص بالذكر دولة الرئيس نبيه بري حيث رعى لقاءات عديدة في سبيل تحقيق الوحدة وكانت اخرها اجتماعات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في بيروت. كما ثمَّن عالياً مواقف سيادة اللواء عباس ابراهيم وحرصة الدائم على الوحدة الفلسطينية.

كما وجه الشكر إلى الوفود وجمعية كي لا ننسى وللمناضل الراحل ستيفانو كاريني ورفاقة الأحرار الشرفاء الداعمين للحق الفلسطيني المشروع. 

كلمة رئيس بلدية الغبيري معن الخليل  جاء فيه: "35 عاماً والمسيرة مستمرة و17 عاماً ونحن بمشاركة الوفد الأوروبي ننظم هذه المسيرة دعماً للقضية الفلسطينية فتحية خاصة للوفد الأوروبي رئيساً وأعضاء، وأهلاً وسهلاً بكم في لبنان، لقد كانت فلسطين دائماً البوصلة واليوم في هذه المسيرة الرمزية نحو أضرحة الشهداء نقول أنها مسيرة وطنية، مسيرة العرب باتجاه الحق العربي وحق العودة إلى فلسطين".

تتزامن هذه المسيرة اليوم مع مسيرة عاشوراء فهذه المسيرة ملازمة مسيرة عاشوراء لإحقاق الحق وعودة الحق إلى أصحابه وعودة الحق العربي وعودة فلسطين إلى أهلها.

في هذه المسيرة اليوم نبارك للمقاومة اللبنانية وللأخوة في حزب الله وللجيش اللبناني وللشعب اللبناني الانتصار على التكفيريين الذي هو امتداد لهذه المسيرة وإحقاق الحق وعلى أمل العودة. فلسطين في القلب وحق العودة في القلب، ونشكر الوفد الأوروبي على تضحياته للوصول إلى لبنان والبذل في سبيل مناصرة قضية الشعب الفلسطيني وإبراز الهمجية الاسرائيلية ومجازره.

كلمة لجنة كي لا ننسى ألقاها لوشو فيتالي حييا فيها جميع الحاضرين كلٌ باسمه ولقبه، وقال أحيي بيت أطفال الصمود الذي يسمح لنا بالتنسيق مع بلدية الغبيري للحضور هنا لإحياء هذه المجزرة البشعة، عندما قام كاريني عام 1999 بزيارة مخيم شاتيلا وسأل سؤال "أين هي مقبرة الشهداء؟  فتألم ألم عميق لما آلت إليه المقبرة الجماعية وقام باتصالات مع أصدقائه الفلسطينيين وأصدقائه اللبنانيين وأصدقائه الإيطاليين من أجل أن تعود هذه المقبرة صرحاً للشهداء، وحمل هذه الفكرة إلى إيطاليا وعاد بها فكانت مقبرة الشهداء كما هي الآن.

وأضاف: "لقد عمل كاريني من أجل أن ينقل حقيقة المخيمات في لبنان والواقع التي تعيشه وخاصة بعد المجازر التي ارتكبت بحقه ومن أجل نشر أنَّ هذا الشعب الذي هجر من أرضه عام 48 ما زال يتعرض على أيدي الصهونية بنفس المجازر، ونستطيع أن نقول أن كاريني نجح في مهمته فصبرا وشاتيلا أصبحت محفورة في عقول الكثيرين في إيطاليا وخارج ايطاليا واللجنة أصبحت لجنة عالمية من أجل كي لن ننسى".

كاريني غادرنا قبل سنوات وخلفه موسوليني وغادرنا أيضاً ونحن كل عام نأتي إلى هنا لنعيد ونكرر حق الفلسطينيين في العودة وحقهم في الحياة وحقهم بالحقوق المدنية في لبنان إلى حين عودتهم. نحن نعلم أن الطريق ليس سهلا بل هو وعر وصعب وفيه ألف صعوبة نواجهها ولكننا سنستمر في إحقاق الحق الفلسطيني حتى لو خسرنا كل سنة مسؤول أو أحد قادة هذه اللجنة فاللجنة مستمرة وكل سنة يتجدد شبابها وهذه السنة فيها شباب وهذا يدل أنَّ اللجنة تحمل مبادئ صحيحة ومستمرة في نشر الحق الفلسطيني في كافة أنحاء العالم ثقافه شعب مظلوم وما تقوم به.

نحن في لجنة كي لا ننسى في إيطاليا وفي كافة أنحاء العالم نشعر بالخجل من الموقف الدولي ومن مواقف هذه الدول بما يجري بخصوص القضية الفلسطينية والتي يحاولون شطبها من الخارطة السياسية ولكننا نعدكم أن نبقى مصرين على رفع القضية الفلسطينية على المستوى العالمي ونحافظ على هذا المجال في كافة مجالاتنا، ونتمنى على أخوتنا الفلسطينيين أن يتمسكوا بوحدتهم الوطنية فهي أولى خطواتكم للنصر والعودة إلى دياركم .

كلمة أهالي الشهداء ألقتها دينا الأحمد قالت فيها: بعد 35 عام على مجزرة صبرا وشاتيلا ما زال الجرح مفتوحاً على القهر والحرمان وما زالت الصدمة صعبة في المخيم من هول ووحشية المجزرة دون أن يخف الألم وتجف الدموع، ونحن أهالي شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا نتقدم بالشكر إلى لجنة كي لا ننسى وبلدية الغبيري وكل المتضامنين الذين يززعون فينا الأمل بعد الكثير من الألم.

 وفي الذكرى ال 35 للمجزرة سيبقى الجرح مفتوحاً وستبقى صبرا وشاتيلا حكاية شعب كل ما أراده هو الحياه وكل ما حصل عليه هو الموت ولكنه لن يتنازل عن حقوقه ومقاومته من أجل الحرية والعدالة والعودة، وسنبقى معاً كأهالي متضامنين مع كل القوى والهيئات الدولية والمحلية نطالب بملاحقة القتلى وبمحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها.

وختم الإحتفال بتقديم دروع إلى أعضاء وفد جمعية "كي لا ننسى صبرا وشاتيلا".

 هذا وقام المشاركون يتقدمهم أمين سر فصائل منظمة التحرير في لبنان فتحي أبو العردات، ورئيس بلدية الغبيري معن الخليل، وأمين سر حركة "فتح" في بيروت العميد سمير أبو عفش، بوضع إكليلين من الورد على النصب التذكاري للشهداء، باسم حركة "فتح" ورئيس البلدية وأعضاء المجلس البلدي.