بقلم: نبيل عمرو

لا يلام الفلسطيني والمقدسي على وجه الخصوص، بالاحتفاء ذي الطابع الملحمي لإرغام إسرائيل على التراجع عن قرار طائش اتخذه نتنياهو في لحظة انفعالية، ذلك أن الإنجاز بالقياس مع إمكانيات أهل القدس مع إمكانيات الدولة العبرية، يعتبر قوياً وعميق المغزى.

أما الذين يحتفلون بالإنجاز كما لو أنه من صنعهم فهم كثيرون، فما دام الأمر كلام في كلام، فالشركة المساهمة تحتمل آلاف المساهمين.

على ماذا يدل ذلك ؟ إذا ما نظرنا للأمر من كل الجوانب، فالإيجابي عرفناه وقدرناه، أما السلبي فهو ما يحتاج إلى بعض التذكير. إنه الظمأ الذي ينتجه انحباس المطر، والمطر بالنسبة للقضايا الوطنية هو الإنجاز، وفي حياتنا حيث تشققت النفوس من الظمأ، وانفطرت القلوب من الخسارات المتلاحقة، فبديهي ان نستقبل نتائج معركة الأقصى بكل ما نقرأ ونسمع ونرى من المديح والتبجيل.

كان عنوان معركة القدس، إعادة الأمور في الحرم الى ما كانت عليه قبل تركيب البوابات، وها هي البوابات رفعت وأقيمت الصلوات في المسجد، وتحت صخب الاحتفال يسن نتنياهو سكاكينه للثأر، بدءاً من إجراءات شديدة القسوة حيال المقدسيين، الى تشريعات تجهَّز للإقرار من قبل الكنيست، الى إجراءات استيطانية تشفي غليل المتشددين في إسرائيل، الذين هم أساس حكمه ومصدر بقائه الى ما لا نهاية في رئاسة الحكومة. فما الذي سنفعله في مواجهة هذا الذي يعده نتنياهو؟

هل نلقي الحمل كله على أهل القدس وفق معادلة " عليهم العبء وعلى الآخرين الاحتفال"؟ أم نتقدم بشكوى لجرين بلات وكوشنير حول الأطماع الإلحاقية لنتنياهو، والضرر المترتب عليها تجاه المبادرة التاريخية لترامب؟ أم نناشد المجتمع الدولي الذي ملّ من مناشداتنا؟. فما الذي يمنع نتنياهو وزمرته اليمينية من المضي قدما في الإجراءات الجراحية التي لم ولن تتوقف ؟ وما الذي نعد بعمله مع أهل القدس ومن حولهم ؟ أسئلة ما زالت مطروحة، والإجابة عنها غائبة تحت صخب الاحتفال.

ما أن أُزيلت البوابات ودخل ما تيسر من المصلين الى المسجد، حتى عادت أمورنا الى ما كانت عليه، فإن أخذ الانقسام إجازة لأسبوع خجلا مما يجري في الأقصى، إلا انه عاد الى الواجهة بصورة أعمق وأفدح مما كان عليه قبل الإجازة المؤقتة.

مجلس تشريعي ينعقد في غزة، ورسائل لزعماء العالم يوجهها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وهنا في رام الله لا شيء أكثر من مواصلة انتقاد الانقسام واثبات البراءة منه.

لا ضرر من الاحتفال، ولا حتى من المبالغة فيه، فالأرض العطشى تحتفل ولو بزخة مطر، غير أن الضرر كل الضرر أن لا يكون في قدرتنا سوى الاحتفال وتوزيع الغنائم المعنوية والاعتماد على ما حدث في الأقصى، كما لو ان مثله سيحدث غدا او بعد غد حيال قضايا أخرى يعد لها نتنياهو جهارا نهارا، وغايته هذه المرة ليس المسجد وإنما القدس والوطن كله.

المواطن المقدسي، الذي شاءت أقداره ان يكون رأس الحربة في المواجهة غير المتكافئة ماديا، يسأل عن باقي الحربة، والفلسطينيون في كل مكان والذين لم يقصروا في الوفاء للطليعة المقدسية يسألون كذلك : أين برنامجكم؟ أين إطاراتكم؟ أين مؤسساتكم؟ أين وحدتكم؟ فما هو قادم سيكون أصعب وأكبر مما فات، والمقدمات ملحوظة ولا تحتاج الى أي جهد لاكتشافها.

بدأت أصواتهم ترتفع، خذوا أم الفحم وخلوا لنا القدس، خذوا مخيم شعفاط وكفر عقب وخلوا لنا اللحم الحي. وانتبهوا... ذلك دون ان نتنازل عن حكمنا واستعدادنا لكل ما سنتخلى لكم عنه.

هل نرسل هذا كله في مذكرة الى كوشنير وجرين بلات ومجلس الأمن ومحكمة الجنايات، وننتظر ماذا سيفعلون؟ انهم لن ينتظروا رسائلنا فقد تكفل بإرسالها نتنياهو، الذي لم يعد لديه ما يخفيه او ما يموهه، فالرجل يلعب على المكشوف.

إن ثقتنا بشعبنا كبيرة ومجربة، ورهاننا على هذا الشعب لم يخذلنا منذ بداية نكبتنا، ولن يخذلنا حتى لو طال الصراع عقودا جديدة، إلا أن ما يطلبه الشعب منا وبكل أسف لا نلبيه، وهو أن نكون بمستوى عطائه.