الحارث الحصني:-

يتجول مواطن من مدينة طوباس، بالقرب من أرضه في منطقة "الساكوت" القريبة من نهر الأردن، والتي استعادها مؤخرا من الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن منعته من الاقتراب منها، شأنه شأن العديد من أصحاب الأراضي، الذين لاقوا المنع ذاته.

يقف عز الدين خضر على قمة تلة صغيرة بالقرب من عين الساكوت، والمطلة على مساحات شاسعة من الأراضي المسترجعة مؤخرا.... ويشير بيده جنوبا، في مشهد حُرم منه لأكثر من "49" عاما، ويبدأ بالحديث عن حياة مضى على آخر أيامها أكثر من أربعة عقود.

ظل الفلسطينيون يسكنون في المنطقة المذكورة، ويعتمدون في حياتهم على الزراعة، وتربية المواشي، حتى احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، الأمر الذي أدى الى الاستيلاء عليها، وطرد السكان منها بشكل تدريجي.

والساكوت واحدة من تجمعات وقرى فلسطينية كثيرة بنيت في الخمسينيات، على مقربة من نهر الأردن، ولكن الاحتلال هدمها، وهجر أهلها بعد أيام قليلة من احتلاله للضفة الغربية.

يقول خضر الذي عاش فيها قبل استيلاء الاحتلال عليها، "كانت منطقة الساكوت قبل النكسة مأهولة بالسكان، وبنى المواطنون بيوتهم من الطين، وظل الحال على ذلك حتى النكسة".

 

في التلة التي ترتفع قليلا فوق العين، ما زالت عمليا سلاسل الحجارة التي رصفت في محيط القرية شاهدة على بقايا الحياة هنا، وبعد النكسة بدأ الاحتلال بتضييق الخناق على الفلسطينيين، في المنطقة، حتى أخلاها من سكانها،    وأقام عليها سياجا أمنيا.

 وفي العام 1973 استولى الاحتلال على أكثر من "30000" دونم للفلسطينيين.

بالقرب من عين الساكوت ما زالت بعض المناطق المحاطة بالأسيجة ملحقة للافتات تحذير للمارة من هناك، مكتوبا عليها "احترس منطقة ألغام".

يعود خضر للحديث مرة أخرى، وقد أحاط به عدد من جنود الاحتلال الذي جاؤوا لحماية مستوطنين كانوا في المنطقة، ويضيف: "حفر والدي بئرا ارتوازيا عام 1964، وظلت البئر تضخ مياهها حتى عام تدمير القرية في 1967، حيث وقعت في المنطقة بعض المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ الأمر الذي أدى إلى تدميره، وهدم البيوت".

بالأمس وقف عدد من أصحاب الأراضي المسترجعة بالقرب منها بعد أن منعهم الاحتلال من الاقتراب منها، وتبدو قصصهم مشابهة لبعضها البعض، وحاول الكثيرون منهم استرجاعها مرات عدة، على مدار خمسة عقود، من الاستيلاء عليها، كما بينوا في أحاديثهم.

على بعد عدة كيلومترات أقام المستوطنون أول مستوطنة زراعية لهم في الأغوار سنة 1969، وهي مستوطنة "ميخولا"، بعد أن طرد الاحتلال معظم الفلسطينيين من الأغوار الشمالية، وسيطروا على ما يقارب "30 " ألف دونم من الأراضي في الساكوت، وقد زرع المستوطنون مساحات واسعة منها- كما يقول الخبير في شؤون الاستيطان     والانتهاكات الإسرائيلية عارف دراغمة.

رغم قرار المحكمة القاضي بإرجاع "3500" دونم لأصحابها الفلسطينيين، ما زالت قوات الاحتلال تمارس مضايقاتها بحقهم، والتي كان آخرها أمس، بعد أن منعت بعض أصحاب الأراضي المسترجعة، وعدد من الصحفيين الذين كانوا في تلك المناطق من الوصول إليها، وحجزتهم لعدة ساعات.

مسؤول ملف الأغوار الشمالية في محافظة طوباس معتز بشارات يقول لا يمكن حاليا معرفة العدد المتوقع لأصحاب الأراضي المسترجعة ، ولغاية الآن قدم أكثر من "300" شخص أوراق ثبوتية، تؤكد حقهم فيها.

يوجد بالقرب من منطقة الساكوت الواقعة على الشريط الشرقي مستوطنتي "ميخولا"، و"شدموت ميخولا"، وتعمد المستوطنون خلال العقود الماضية زراعة أراضي الساكوت، وإقامة بعض المشاريع عليها.

واشتهرت تلك المناطق حتى احتلال الضفة الغربية بالزراعة المروية، وكان لدخول مضخات المياه الأوتوماتيكية الى المجتمعات الزراعية الناشئة أثر في انشاء الكثير من القرى الصغيرة في المنطقة، إلا أن معظم الأراضي التي كان الفلسطينيون يزرعونها تحولت إلى أراضٍ تابعة للمستوطنات، ولكي يستطع الفلسطينيون الوصول إلى أراضيهم، عليهم أن يتخطوا أراضي استولى عليها المستوطنون، وأيضا خطوط نار، وأسيجة شائكة، ولا تكاد تخلو الأراضي الواقعة بينها من وجود الألغام الأرضية.

وبالأمس، احتجزت قوات الاحتلال لأكثر من 3 ساعات، مجموعة من الصحفيين، ومواطنين في المنطقة المذكورة، وصادرت بطاقاتهم الشخصية، ورخص سياقة السائقين، وذلك أثناء قيامهم بجولة، نظمتها وزارة الاعلام، في المناطق المهددة بالمصادرة في الأغوار الشمالية، والمنطقة المستهدفة عبارة عن 6500 دونم، تم استرجاعها بقرار من المحكمة الإسرائيلية، ويرفض الاحتلال بدوره تنفيذ القرار.