إعلام الرئيس الفلسطيني الأخ أبومازن وعد الجماهير الفلسطينية بأن خطاب الرئيس في الأمم المتحدة سيفجر قنبلة؟ وإعلام نتنياهو وعد شعبه أن وجود إسرائيل يحقق مصلحة استراتيجية لكل الدول الكبرى؟ وبدأ الرئيسان بجولات أوروبية ثم روسية فأمريكية قبل الصعود إلي منبر الأمم المتحدة؟ ثم عادوا إلي بلادهم سالمين في رحلة وزن نتائجها التعادل السلبي!!!

كان خطاب الأخ أبومازن يتحدث عن التحرك الزمني للجغرافيا القانونية دون ربطها بالمصالح الاقتصادية والعسكرية بينما ركّز نتنياهو على استمرارية التحالف العسكري والتبادل الاقتصادي في سكون المنافسة الأقليمية في لعبة التجاذبات المحورية للدول الكبرى. فما وزن قنبلة واحدة في مشرق عربي يسقط فيه مائة قنبلة في الساعة يوميا وعلى مدار السنوات الماضية، ومن جانب آخر هل النووي الإيراني خطر على إسرائيل وحدها أم أن المحور العربي الأمريكي بزعامة السعودية متفرغ تماما للموضوع الإيراني وامتدادته بالمنطقة.

القنبلة الحقيقية كانت حل السلطة الوطنية الفلسطينية وإعلان أننا شعب محتل وعلى إسرائيل تحمل مسؤولياتها إتجاه المجتمع الدولي، كما أن الشرعية الدولية مطالبة بإيجاد صيغة جديدة غير المفاوضات المباشرة لأنها عقيمة ولا تحقق مصالح الشعب الفلسطيني!!! نعم كان شكل القنبلة الحقيقي بهذا الحجم لكنها لم تصمد في رحلات الرئيس التحضيرية في أوروبا وروسيا، والأكثر من هذا أن التسريبات الإسرائيلية تقول أنها مستعدة للعودة للوضع السياسي قبل عام 1967 وإعادة الجيوش العربية وطرد السلطة الفلسطينية بل أن الطرح الصهيوني يؤكد أن الجيوش العربية مستعدة بشروط وهناك مفاوضات على ترتيبات واحتمالات مستقبلية؟؟؟ وهناك حراك إسرائيلي يتحدث عن حكم إداري بقطاع غزة بإشراف الجيش المصري.

القنبلة كانت بإعلان بداية العنف الاستراتيجي كبديل للمفاوضات من خلال تبني القيادة لكل الممارسات الشعبية الرافضة للاحتلال، حيث أن الممارسات الشعبية في فلسطين خلال العامين المنصرمين توازي انتفاضة شعبية إلا أن القيادة لا تتبناها وتعتبرها ممارسات فردية. إن طروحات الرئيس الاستراتيجية بخصوص الملفات كافة ( الاستيطان+اللاجئين+الجدار+الحصار+السيادة على المعابر+ الاقتصاد+ الأسرى+القدس) هي إعلان التمسك بالثوابت بدون تقديم آلية واقعية قابلة لتحقيق في ظل عدم تبني الفعل الجماهيري الفلسطيني العنفي، رغم أن القانون الدولي كفل حق مقاومة الاحتلال للشعوب المقهورة بما فيها المقاومة المسلحة.

وبموضوع آخر يأتي ملف القدس ليحرج الجميع فهو ملف أردني من الناحية القانونية وفلسطيني من الناحية السياسية وأمني استراتيجي من الناحية الإسرائيلية، والحقيقة أن الانتداب البريطاني عمل جاهدا لتدويل مدينة القدس فلا يوجد أي إثبات أنها جزء من وعد بلفور ولا ضمن أي خريطة أو حل سلمي طرحت كمدينة تابعة لإسرائيل. أما الجانب التاريخي لمدينة القدس يضعها ضمن المدن الشريفية التي يحكمها الأشراف لكنها تابعة لولاية ولم تكن عاصمة أي ولاية عثمانية أو عباسية أو أموية أو رومانية أو أغريقية أو كنعانية أو أي قوة احتلت فلسطين لم تكن القدس عاصمة لفلسطين فعاصمة فلسطين التاريخية هي مدينة عكا إلا بعض المحطات التاريخية كانت مدينة الرملة هي العاصمة، ومن جانب آخر الحديث عن فلسطين التاريخية وهو لفظ من علم اللاهوت التوراتي والأنجيلي يشمل أرض سيناء كاملة وسوريا الجنوبية ( جنوب لبنان حتى صور وجولان وحوران ومملكة الأردن ومنطقة من الحجاز حتى مدينة تيماء).

ما اتفق عليه الرئيسان أن الحل لابد أن يكون سلمي وإطاره حل الدولتين؟ لكن نتنياهو شرح أن هناك دولة فلسطينية مقابل دولة يهودية وفي الوقت الحالي لا يوجد دولة يهودية!!! وأن إيران تدعم المتطرفين الفلسطينيين الذين يشكلون خطر على المواطنيين الإسرائيليين؟ وهذا ليس كلام استفزازي بل هو حقيقة أن الفلسطيني لا يعد مواطن في القدس بل أن مجرد وجوده بالقدس يعد إرهاب للمواطنين الإسرائيلين؟

أما المسجد الأقصى الذين ذكره الرئيس الفلسطيني ضمن رمزية دينية معينة وإن المتطرفين الصهاينة ينتهكوا حرمته بينما أوضح نتنياهو أن من حق اليهود والسياح زيارة المسجد الأقصى فهو مقدس عندهم قبل أن يكون مقدس عند المسلمين. ومن المنظور الغربي يعد كلام نتنياهو منطقي ومقبول لأن الزيارة لا تعني أكثر صلاة ونزهة، وأن هناك رعب غربي من المساجد والمسلمين والانتحاريين فكل ما سيقوله نتنياهو مقنع للغرب بخصوص الأقصى أما من الناحية القانونية فهو تحت الإشراف الأردني. أما رأي الشعب الفلسطيني فهو رفض كل المطروح بخصوص الأقصى فهو رفض استقبال أي مسؤول عربي بالأقصى بل وتعرض الكثير منهم للضرب بالأحذية، في الأقصى يرفض الفلسطيني أن يكون سلمي لا عنفي بل أن الشهادة بالأقصى حلم كل بنت وشب فلسطيني.

اختصر الأخ أبومازن مطالبة بأنه يريد كل الحقوق ويطالب بالعدالة من المجتمع الدولي، واختصر نتنياهو مطالبة بمكافحة الارهاب والتصدي للخطر النووي الإيراني وتوسيع التعاون الاقتصادي والعسكري، ومختصر المختصر أن الرئيسين لا يطرحا أي جديد في ظل موازين القوى الدولية ولعل هذا يعود إلي استعار الحمم الروسية الأمريكية في المشرق العربي مما يضغط على كل القضايا لتنتظم في رقعة الشطرنج وتتأنى في انتظار دورها في حروب الوكالات الدولية. فالحق بلا قوة هو مثالية تطلب من الذئب أن يشارك الأرانب أكل الجزر، كما أن العدل بلا قوة هو افتراض لا يحمل الصواب لكنه محتمل، فالعدل مصلحة ومنفعة وعندما لا يكون هناك مصلحة من تحقيق العدل فإن الظلم إذا حقق جزء من المصلحة فهو بداية العدل وهذا أساس أفلاطونية الامبريالية الدولية.

خالد أبوعدنان