مرة جديدة تعود القضية اليمنية الى الواجهة السياسية، وتتقدم خارطة التغييرات المتحركة على امتداد الساحة العربية، بعد التطورات الدراماتيكية التي تسارعت وطرأت، والتي بدورها دفعت باليمن الى الولوج في أوضاع جديدة اعادت معها خلط الاوراق السياسية من جديد، وعلى راسها التحرك العسكري السريع لدول الخليج العربي وبقيادة المملكة العربية السعودية، وبدعم ومشاركة عدد من الدول وفي مقدمتها الباكستان ومصر والسودان والمغرب.
وهو تحرك وان كان يتوقعه البعض الا انه كان مفاجئاً بتوقيته وسرعة تنفيذه، وهذا الامر عائد الى استشعار دول الخليج وفي القدمة المملكة العربية السعودية خطورة ما اقدمت عليه الجماعات الحوثية المتحالفة حديثاً مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي اثبتت الوقائع انه ما زال يسيطر على كثير من القوى ويتمتع بولاء عدد لا يستهان به لدى ضباط الجيش وقطعاته، بعد ما ساعده الحوثي على تحجيم قبيلة ال الاحمر المناوئه له.
 لتظّهر خارطة جديدة كانت حتى الامس القريب بعيدة المنال، باعتبار ان المبادرات العربية والدولية التي كانت تسعى الى التوصل لحل يرضي كل الاطراف قد سقطت وترنحت تحت وابل من التحركات والتغييرات التي فرضتها جماعة الحوثيين والتي حاولوا خلالها "الاستيلاء" على السلطة ونقلها من بين ايدي الرئيس عبد ربه منصور هادي من خلال التلطي بما ابتدعوه وأطلقوا عليه "الاعلان الدستوري" الذي واجه ومنذ اللحظة الأولى لاعلانه رفضاً داخليا واقليميا ودوليا، كذلك فشلهم في تسويقه داخلياً عبر حشد بعض القوى السياسية المتحالفة معها بفرض توفير الغطاء الداخلي لهذا الاعلان الذي اتضح انه ليس دستوريا ولا يمت للدستورية بأية صلة، وهذا ما دفع بالحوثيين الـ "اعتقال" الرئيس منصور ووضعه تحت الاقامة الجبرية.
الا ان هذا الاجراء والذي اعتبره العالم بانه غير قانوني ودستوري، لم يؤد بالتالي لسحب بساط الشرعية من تحت اقدام الرئيس" المعتقل" وهو ما ادى الى حالة من الارباك الكبير لدى جماعة الحوثيين وهو ما دفعهم للبحث عن مخارج تحفظ لهم ماء الوجه، بعدما فشلوا في احكام سيطرتهم على اليمن على الرغم من حسمهم لأمور في كثير من المناطق والمدن وخصوصاً الشمالية، والمتاخمة للحدود مع المملكة العربية السعودية، وحشد القوى العسكرية على الحدود المشتركة معها وهي التي ابدات تخوفاً جديا من اعادة اثارت الازمة الحدودية بين البلدين، التي شعرت بدورها أكثر من غيرها بخطورة المستجدات الجديدة وسيطرة الحوثيين، وهو ما يعني لهم بان هذه السيطرة هي في حقيقتها سيطرة ايرانية، وهو ما المح اليه بعض القادة الايرانيين.
وهو ما حصل بفعل اذ استهدفت الطائرات العسكرية الموالية للرئيس السابق صالح المقر الرئاسي في مدينة عدن ومقرات اخرى كان من الممكن ان يتواجد فيها الرئيس عبد الله منصور، وهذا التصرف كشف حقيقة تحالف الحوثيين- صالح وهو يعني ان الاطراف اليمنية قد تبادلت المواقع.
الرئيس السابق على عبد الله صالح الذي خاض جيشه سته حروب ضد جماعة الحوثيين الذين كانو وقتها على توافق مع الحراك الجنوبي، لتصبح اليوم خارطة التحالفات في طور جديد وملامح جديدة.
 وهذه الحقيقة هي التي دفعت دول الخليج الى اعتبار اتفاقية "السلم والشراكة" وملحقها الأمني كأنها لم تكن، وهو ما عززه تمكن الرئيس اليمني "الشرعي" عبد ربه منصور هادي من الافلات من الاقامة الجبرية والوصول الى الشطر الجنوبي من اليمن والاعلان عن ممارسة سلطاته من هناك ما لاقى ترحيباً ودعما دوليا ليعلن مباشرة بأن الحوثيين نفذوا انقلاباً موصوفاً ومكتمل الاركان في العاصمة صنعاء على حد قوله معتبراً انها عاصمة محتلة ووقوف معظم الحركات السياسية الجنوبية الى جانبه في حال قرر الرئيس خوض المعركة النهائية ضد الحوثيين، بكل اشكالها السياسية وحتى العسكرية... رغم ادراكه بأنها قد تؤدي الى نتائج لا تحمد عقباها، أولها اندلاع الصراعات القبلية القديمة وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف الى حرب اهلية حقيقية، وثاني هذه الاحتمالات استئناف زحف جماعة انصار الله والحوثيين باتجاه الجنوب بغرض اخضاعه عسكرياً وبالقوة مما يعني هذا الاحتمال الى تدمير اليمن.
ولعل خطر التقسيم "الواقعي" بين شطري اليمن الجنوبي والشمالي أصبح خطراً جدياً خصوصاً أن بعض الاصوات والاطراف بدأت تتحدث عن هذا الخيار عبر اعادة طرح المطالبة باعادة الاعتراف بدولتين واحدة في الشمال تحت سيطرة الحوثيين وحلفائهم وعلى رأسهم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وعاصمتها صنعاء والثانية في الشطر الجنوبي برئاسة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي مدعوما من معظم القوى السياسية وخصوصاً جماعة الحراك الجنوبي الذين طالبوا بالانفصال منذ وقت طويل ومنذ ايام حكم الرئيس عبدالله صالح الذي اتهم بالتنكر للاتفاقيات التي عقدت ابان اعلان الوحدة وهي اتفاقيات وزعت خلالها السيطرة والثروة والمناصب والتي عاد الرئيس نفسه الى التنكر لها وهي نفسها التي دفعت باليمن الى دائرة الخطر من جديد والتي سمحت للنتائج الحالية الى التواجد على الساحة اليمنية والتي كان من المفترض ان تجعل من اليمن "بلداً سعيداً" كما يطلق عليه.