في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزليم بوست" ادعى نتنياهو ان مبادرة السلام العربية، انتهت بانتهاء الزمن، الذي أعلنت فيه. وان التغييرات والتطورات السياسية خلال الاثني عشر عاما الماضية، رسمت طريق "الخلاص" منها. ولا يمكن الحديث عنها في ظل وجود "حماس" و"داعش" والتغيرات الدراماتيكية في الدول العربية. الحديث النتنياهوي ليس جديدا، بل هو استمراء لذات النهج المعادي للسلام، وإسقاط رغبوي لاحلام صهيونية بقتل كل بارقة سلام بغض النظر عن مصدرها حتى لو كان العرب منفردين او مجتمعين وراءها.
تجاهل نتنياهو، الذي دفن وشيع إتفاق اوسلو مع توليه رئاسة الحكومة الاسرائيلية لاول مرة عام 1996، انه واقرانه من رؤساء الحكومات الاسرائيلية المتعاقبين، ضيعوا فرصة حقيقية لبناء ركائز سلام مقبول، وقادرعلى الصمود والبقاء، من خلال تجاهلهم الكلي للمبادرة العربية الشجاعة، التي تبنتها القمة العربية في آذار/ مارس 2002، ثم تبنتها منظمة التعاون الاسلامي، التي تضم (57) دولة اسلامية.
عمل قادة إسرائيل بشكل منهجي على خنق وتصفية مبادرة السلام العربية. التي لو اتيح لها القبول في اوساط صناع القرار الاسرائيليين، لقطعت الطريق على كل مظاهر العنف والفوضى "الخلاقة"، التي تعاون الاسرائيليون واربابهم الاميركيون على إشاعتها وتعميمها في اوساط شعوب الامة العربية. وكان من نتائجها خلق المناخ الملائم لتنامي تلك الجماعات التكفيرية، بسبب غياب الامل في اوساط المواطنين العرب عموما والفلسطينيين خصوصا، مع تصاعد واستشراء الاستيطان الاستعماري، الذي ازداد كالفطر في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتمترس الاسرائيليون من كل ألوان الطيف الفكري والسياسي الصهيوني في خنادقه، غير عابئين بمستقبل وجودهم ووجود دولتهم في المنطقة، ومسقطون كليا من حسابهم مصالح الشعب العربي الفلسطيني.
ولعل الضرورة ايضا تملي على المرء، تذكير رئيس وزراء إسرائيل وائتلافه الحاكم، ان دولتهم ومؤسساتهم الامنية بالشراكة مع الولايات المتحدة وللاسف مع بعض الدول العربية، كانوا وراء تأسيس ونشوء تلك الجماعات التكفيرية. وأمدوها بكل عوامل الحضور الطاغي في المشهد الفلسطيني والعربي، وذلك بهدف إعادة تقسيم الدول العربية على اساس إثني وديني وطائفي ومذهبي وتعميق السيطرة على الشعوب العربية وثرواتها وتصفية القضية الفلسطينية؛ ولبناء شرقهم الاوسطي الجديد لتتربع إسرائيل على عرش قيادته.
مع ذلك، يمكن الجزم، ان مبادرة السلام العربية، مازالت قابلة للتطبيق، وهي تمثل الحل السياسي الامثل للسلام في المنطقة، لانها ترتكز على قواعد القانون والمواثيق والاعراف الدولية. وكونها تأخذ بعين الاعتبار مصالح الاطراف المختلفة في المعادلة السياسية، وتعطي إسرائيل، الدولة المارقة أكثر مما اعطاها قرار التقسيم الدولي 181، الصادر في الـ29 من نوفمبر 1947، وتؤمن الحد الادنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية.
لكن القيادات والاوساط الحزبية الصهيونية بمختلف تياراتها ومشاربها ومعها الشارع الاسرائيلي، مازالت غير مستعدة لدفع اي استحقاق من استحقاقات التسوية السياسية. ولا تريد اعطاء الشعب العربي الفلسطيني الحد الادنى من حقوقه الوطنية. بل تعمل بكل ما اوتيت من قوة متسلحة بالغطرسة والعنصرية على خيار تبديد السلام، والتمهيد لمشروع الترانسفير للفلسطينيين من ارض وطنهم الام.
ومن يعود لمراجعة سريعة لمسار برامج الاستيطان الاستعماري في اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967 وخاصة في العاصمة القدس الشرقية، والحروب والمجازر، التي ترتكبها على مدار سنوات الاحتلال الـ47 والنكبة الـ66 الماضية ضد ابناء الشعب الفلسطيني، يلحظ، ان قادة دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، لم يكونوا يوما مستعدين لبناء ركائز اي سلام بينهم وبين شعوب الامة العربية وخاصة الشعب الفلسطيني.