ما أن دخلت الهدنة حيز التنفيذ في اعقاب حرب إسرائيلية دامية على محافظات الجنوب استمرت 51 يوماً، حتى دخل قطاع غزة في دوامة حرب لا تقل خطورة على ابنائه الشباب، الذين ضاقت سبل الحياة الآدمية في وجوههم.
محافظات الجنوب الفلسطينية، الواقعة تحت الحصار الاسرائيلي الظالم طيلة ثمانية اعوام؛ والمختطفة من حركة حماس منذ انقلابها الاسود على الشرعية اواسط العام 2007؛ والمتخمة بالبطالة، التي بلغت نسباً عالية جدا، وصلت إلى ما يزيد عن الـ 50% وبعض التقارير تقول 60% أو اكثر؛ والملقى بها وسط نيران خمس حروب إسرائيلية حمساوية وليس ثلاثاً كما يقال، لأن حركة الانقلاب الاسود قامت بحربها على الشرعية طيلة الاشهر الاولى من عام 2007 حتى وصلت للحظة الانقلاب أواسط حزيران منه (العام)، وقتلت وجرحت وهجرت المئات والآلاف من المناضلين والمواطنين الابرياء من محافظات الجنوب إلى محافظات الشمال والعديد من بلدان العالم، كما ان انتفاضة الاقصى من 2000 حتى 2005 تركت بصمات قاسية على حياة ابناء شعبنا في عموم الوطن. بمعنى آخر منذ بداية الألفية الثالثة لم تشهد محافظات الوطن عموما والجنوب خصوصا فترة هدنة حقيقية، بل من حرب إلى حرب، والتي كانت اقساها واكثرها ترويعا وبطشا الحرب الاسرائيلية الاخيرة، التي مهدت لها واشعلت فتيلها حركة حماس لتخلط الاوراق وتخرج من أزماتها الخطيرة، وتلقي بها في وجه القيادة الشرعية ومصر، وذهب ضحيتها ثلاثة عشر ألفا بين شهيد وجريح، فضلا عن عمليات تدمير غير مسبوقة لمنازل المواطنين الابرياء والبنى التحتية.
هذه العوامل شكلت الارهاصات للاجراءات الحمساوية الطاردة للشباب، الذين ضاقوا بالواقع القائم، فلجأوا للهجرة الى خارج الوطن بحثا عن مكان أكثر أمنا ويسرا في العيش الآدمي الكريم. وجدوا ضالتهم في شبكة مؤلفة من القائمين على "وزارة الداخلية" و"المعابر" و"الانفاق" من حركة حماس وبحارة مراكب الموت. التي اوحت لهم بإمكانية النجاة من قساوة وشظف وهول العيش في القطاع مقابل دفع مبلغ لا يقل عن اربعة الاف دولار عن كل شخص يريد الهجرة بين تأمين الجوازات المزورة ووضع الاختام والتأشيرات المزورة وسبل الانتقال لخارج حدود القطاع الجنوبية عبر البحر او الانفاق او المعبر إن قدر لأحد المرور.
العديد من الشباب الفلسطيني، ثروة الوطن الاساسية، وجدوا انفسهم لقمة سائغة لسمك البحر او ماتوا غرقا، لأن المراكب، التي ركبوها، ليست مؤهلة للسفر، كما انها حملت فوق طاقتها، ما جعل اصحاب المراكب يلقون بالشباب الى عرض البحر للتخلص من الوزن الزائد.
الهجرة القاتلة او الحرب الجديدة على الشباب الفلسطيني تستدعي من الكل الوطني التصدي وملاحقة القتلة المتورطين مباشرة بالشبكة، وايضا الاسراع بفتح المعابر وخاصة معبر رفح، وفتح افق امل بالحياة الادمية الكريمة للشباب الفلسطيني، والتخفيف من حدة البطالة المرتفعة، وفتح سوق العمل الداخلي والعربي.