غالبا ما يتم تناول موضوع المخيمات من منطلق البعد الأمني، فهي دائما ما توصف بطريقة مباشرة او موحية بأنها بؤر امنية وتأوي فيها مجموعات خارجة على القانون. وفي ظل هذا التعميم وحصر كل ما له علاقة بالمخيمات بالحوادث الأمنية تم إغفال جوانب انسانية أخرى مهمة.

نود من خلال طرحنا هنا، الاضاءة على مأساة من مخيم نهر البارد تصلح للتعميم على باقي المخيمات التي تمتلىء بالحالات المرضية التي لا تجد من يقف الى جانبها او يمد لها يد العون والمساعدة. وكان لتداعيات نكبة البارد ترددات لا يزال يدفعها العديد من اهالي هذا المخيم على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والعلاجية.

   

ميساء محمد النجار ابنة 31 ربيعاً تعاني من مرض التصلب اللويحي في الرأس، انها "لا تنام لا ليلا ولا نهاراً" من شدة الالم ولا تنفك تصرخ وتبكي وتطلب من الله ان يساعدها في الشفاء.

حدثتنا ميساء عن حالتها فقالت "بأنها اصيبت بهذا المرض قبل نكبة مخيم البارد بسنتين، وبأن هذا المرض قد افقدها السيطرة على توازنها فهي لاتستطيع ان تقوم باي عمل بمفردها.

تمضي ميساء  وقتها ممددة على سريرها المتواضع تنظر الي التلفاز الذي بات يشكل ملاذها الوحيد لنسيان حالتها ومرضها ولو لدقائق، كون حالتها تفاقمت سوءا بعد نكبة البارد، وانتقالها للعيش في مخزن في مخيم البداوي، التي أفقدتها العديد من الذكريات التي كانت تؤنس وحدتها ومنها صورها وصور رفيقاتها، وتدمع عينها عندما تذكر فقدانها لصور اخوتها المتوفين التي كانت معلقة على جدران منزلهم في المخيم.

أما لمسألة علاجها والادوية التي تتناولها قصة أخرى، فالأدوية العديدة التي تتناولها لا تكفي، فهي بحاجة أيضا الى أربع إبر شهرياً ولكن سوء وضعهم المادي وارتفاع سعر الابر  دفعها للاكتفاء بإبرة واحدة قسرا. على الرغم من ذلك، لا تزال ميساء تحلم بالشفاء وإيمانها بالله لم يترك مجالا لليأس يتسلل الى روحها داعية إياه باستمرار ان يشفيها لكي تتابع حياتها بشكل عادي مثل اي فتاة بعمرها، لتتمكن من قضاء حاجياتها بنفسها  وتخفف الاعباء عن كاهل عائلتها، وتحقيق حلمها بأداء فريضة الحج.

ووجهت رسالة الى كل من له قلب وعنده رحمة ان يساعد المرضى ويرأف لحالهم ولا يتعامل معهم باستهزاء، وان لا ينظر الى المريض نظرة شفقة وانما نظرة فخر به لانه يصبر ويتحمل ما ابتلاه به الله وان يدعو للمريض بالشفاء، متمنية ان يكون لديها اصدقاء تتسلى معهم وتستقوي بهم على تحمل ما ألمّ بها.

 

  اما والد ميساء  محمد النجار فيقول "الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، في بدايات مرض ميساء، وقبل نكبة البارد، كنت قادراً على تغطية مصاريف علاجها ولو بشكل نسبي، ولكن اليوم وبعد ما ألمّ بنا فقدنا كل شيء. واضحت ظروفنا صعبة للغاية وصار كل همنا تأمين لقمة الاكل، وانا احصل على بعض المساعدات وخاصة من قبل حركة "فتح" في تأمين جزء من العلاج وهي الجهة الوحيدة التي تساعدنا في نفقات علاج ميساء.  وكنت قد عرضت اوراق علاج ميساء على الاونروا ولكن للاسف ردوا علينا برسائل اعتذار (من قبل المدير العام نفسه )  وذلك بالقول بأن الاونروا لا تستطيع ان تقدم لميساء اي مساعدة لأن الأونروا لا تغطي مثل هذه الامراض".

وأشار النجار الى أن هناك العديد من حالات التصلب اللويحي لدى ابناء المخيمات وتكاليف العلاج تفوق قدرات ذويهم،  متسائلا "من الذي يجب ان يقف الى جانب هؤلاء المرضى؟ أم انهم يجب ان يُترَكوا لمواجهة مصيرهم متعايشين مع آلامهم لوحدهم؟"

 

جميل محمد الجميل (رب اسرة يعاني من السكري والضغط وزلال بالقدم وبتر اصابع وأجرى عملية قلب مفتوح) يسكن مع عائلته في مخزن في مخيم البداوي غير صحي فلا يوجد اي متنفس فيه وبات العديد منهم يعاني من الربو بسبب سوء التهوية.

ويحصل الجميل على جزء من الادوية من الأونروا، ويحصّل الادوية الباقية من صيدلية حركة "فتح" ومن بعض المؤسسات.

ويرى الجميل بان تداعيات ما حدث في مخيم البارد زادت من سوء حالته الصحية لا بل اثقلت عليه وبات لا يلتفت الى تأمين ادويته بقدر ما يسعى من اجل تامين لقمة عيش لأولاده، وتابع بانه كان يرجو ان يمن الله عليه بالشفاء، وان يزوج اولاده ليرى احفاده، ولكن ما تعرض له المخيم ونزوحه وسكنه في كراج حال دون تحقيق حلمه، آملا بان يعاد اعمار المخيم بالقريب وان يحقق الله حلمه بالشفاء وبتزويج ابنائه. 

 

الطفل حسن نائل ابو صيام البالغ  من العمر13 عاما يعاني من اعاقة جسدية منذ الولادة حرمته من  ان يكون كباقي اترابه يلعب ويلهو في الازقة وعلى شاطىء البحر و ضفاف النهر ومن  الذهاب الى المدرسة حاملا شنطته على ظهرة كباقي الاولاد لكن حسن و بالرغم من الاعاقة التي حلت به الا انه كان صديقاً لعدد من الاطفال يقصدونه لقضاء بعض الوقت وكان حسن يتمتع بوجود الاصدقاء معه، ولكن بعدما وقعت احداث البارد فقد حسن جيرانه واصحابه، وانتقل الى السكن في روضه "اطفال فلسطين" في مخيم البداوي وحيدا فاقدا للاصحاب و للراحة التي كانت متوفرة ولو  بشكل نسبي قبل نزوحه من المخيم . فالاحداث التي جرت في المخيم واصوات القصف والانفجارات وحالة الرعب التي سادت فيه انعكست سلبا على حالته  فتراه يتذكر احداث البارد في الأيام الأولى.

 ولانه لا يستطيع التعبير عن غضبه واستيائه بسبب مرضه، فصراخه يملأ الارجاء  كل ليلة مما ادى الى سوء حالته، وبالتالي بات بحاجة الى  اجراء عملية  جراحية لوضع انبوب في رأسه من اجل اخراج الماء  الذي يتجمع  فيه فيضغط على الدماغ مما يتسبب بآلام فظيعة له.

في بداية احداث البارد، كان يتلقى حسن مساعدات من قبل بعض المؤسسات للعلاج، اما الآن فكل علاجه ومستلزماته تقع على عاتق والده وبعضها يتم توفيره من بعض الجمعيات  والبعض الاخر لا يتوفر وبذلك يتم علاج حسن بالحد الادنى من مستلزمات العلاج.

يقضي حسن وقته على كرسي نقال، ولكي ينسى ما امتحنه الله به وينسى اوجاعه وآلامه، تراه دائم الحديث عن احداث البارد كما لو انه شريط يلف في رأسه.

    حسن يدعو الله ان يشفيه كي  لا يبقى اسيرا للكرسي النقال طوال حياته  ومن اجل ممارسة حياته العادية وبالتالي تخفيف اعباء العلاج عن والده. 

 

احمد ميسور السيد  شاب في الثامنة والعشرين من العمر اصيب قبل احداث البارد على يد ابو هريرة  احد افراد عصابة العبسي، وذلك اثناء خلافٍ وقع بين ابو هريرة واحد ابناء  البارد.

كان احمد يومها  في الخامسة والعشرين من عمره مقبلاً على الزواج ، و كان منتهيا من اكمال منزل الزوجية  ويتهيّأ للزواج و تكوين اسرة.

اصيب احمد برصاصة عمياء دخلت رأسه من جهة اليمين وخرجت من اليسار، فتسببت له بشلل في يده وقدمه اليسرى، كما اصيب بضعف في الذاكرة، فاصبح لا يتذكر الامور السابقة، كما انه يعاني من خلل في النطق. يتناول أحمد العديد من الادوية بعضها يتم توفيره عن طريق الاونروا والبعض الاخر من قبل صيدلية الكرمل التابعة لحركة "فتح". وهناك قسم باهظ الثمن مما استدعى الى ذهاب الام لتعمل كي تساعد الاب في توفير العلاج  لاحمد. عدا عن العلاج الفيزيائي الذي يحتاج له والذي يحتاج الى مبالغ كبيرة تعجز العائلة عن توفيرها تم تقليص جلسات العلاج الى الحد الذي تستطيع العائلة تغطية نفقاته.

ويسكن احمد آلان في بركسات الحديد، المكان الاشد بردا شتاء  والاشد حرارةً في الصيف ، والذي يعد غير ملائم ٍ لمريض يحتاج الى جو يساعده كي يتماثل الى الشفاء. يقضي احمد وقته بالاغلب  في مشاهدة التلفاز أو نائماً هربا من الوحدة والفراغ ونظرات المتطفلين  ومن الضجة والصراخ الذين لا ينقطعان. لطالما كان هدفه في الحياة السفر هرباً من الاوضاع الصعبة التي يعاني منها ابناء المخيمات، وأمله اليوم تأسيس اسرة ومنزل يجمع بينه وبين افراد عائلته، داعيا الناس عامة والمؤسسات خاصة الاحاطة  بالمريض وتخفيف الاعباء المعنوية والمادية عنه.

 

الطفل رامي محمد خضر البالغ من العمر اربع سنوات، يعاني من سرطان في احشائه، انتقلت عائلته الى السكن بالمدارس في مخيم البداوي بعد احداث البارد وهو في الشهر السابع من العمر. قضى  ايامه  الاولى مهجرا داخل مدرسة حيث السكن المشترك ثم انتقل مع عائلته  الى البركسات، وعندما اصبح عمره ثلاث سنوات ونصف وقع عن سريره، فذهب به والده  الى المشفى ليعرف  بعد اجراء الفحوصات اللازمه ان ابنه مصاب بمرض السرطان . وطلب الدكتور من الاهل تغيير المسكن والانتقال الى بيتٍ مستقل لان الجو العام الذي يعيش فيه غير ملائمٍ صحيا له. كما يحتاج رامي الى عملية ضرورية بحسب تقرير الاطباء، ولكن بسبب وجود ميوعة بالدم لديه ادت الى الحيلولة دون اجراء العملية.

في البداية كان الوالد  يغطي نفقات  العلاج، مما ادى الى وقوعه بالدين ومن ثم جاءت الاونروا لتدعم الاب و تغطي  العلاج. فالاب عامل "يركض" من اجل متابعة العلاج لابنه، اكتشف بعد فترة انه يعاني من ازمة قلبية، وطلبت منه الدكتورة باجراء عملية تمييل لقلبه، ولكن بسب خوفه من عدم متابعة العمل وبالتالي تأمين كلفة علاج لابنه، لم  يخضع الأب لعملية تمييل شرايين القلب وذلك خوفا من ان يمنعه الاطباء عن العمل اثرها.

بذلك يكون اهالي البارد اكتووا بنار خسارتهم لجني عمرهم وبنار المرض الذي انهك الكثيرين منهم تارةً لا يستطيعون تأمين ما يحتاجه مرضاهم من ادوية وعلاج واخرى لا يستطيعون ان يؤمنوا لهم المأوى الذي قد يساعدهم على الشفاء.

سؤال موجه لكل المسؤولين في الاونروا الا يستحق مرضى مخيم البارد ان يحصلوا على العلاج والدواء ؟ الى متى سيبقى مرضانا يإنّون ولا يسمعُ صوت انينهم ؟

هذه كانت عينة من مرضى مخيم نهر البارد قبلوا ان يتكلموا عن حالتهم ومعاناتهم ولكن يبقى هناك الكثير من المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة الذين امتنعوا عن الكلام لأنهم قالوا لنا "لقد تكلمنا كثيراً ونقلنا معاناتنا الى اكثر من جهة معنية ولكن لم نلقَ اذاناً صاغية ولم يتغير في حالنا شيء اننا نرضى بالموت على ان نذلَ او نهان من اجل الحصول على حبة دواء ".