رغم فجيعة حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية متعددة الأشكال والأساليب والانتهاكات والجرائم والمجازر على مدار 8 أشهر متواصلة على أبناء الشعب العربي الفلسطيني في أرجاء الوطن وخاصة في غزة، دون فصل هذه الحرب القذرة عن تاريخ الصراع الطويل الممتد على عقود الصراع الطويلة، التي تسبق قيام دولة إسرائيل بعشرات السنوات، وإن تكثف الصراع بعد قيام الدولة اللقيطة، رغم ذلك، فإن تداعيات حرب الأرض المحروقة حملت في طياتها ارتدادات إيجابية على كفاح الشعب الفلسطيني، وأعطت زخما وقوة للقضية والحقوق الفلسطينية على أكثر من مستوى وصعيد، منها اتساع دائرة الدعم في أوساط الرأي العام العالمي وعلى المستويين الرسمي والأهلي، والذي اكتسب أهمية كبيرة في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، حيث شكلت ثورة الطلاب في اهم الجامعات الداعمة لوقف حرب الإبادة الجماعية فورا وبشكل دائم، ومطالبة إدارات الجامعات بسحب استثماراتها في إسرائيل، ووقف التعاون معها، ومطالبة دولها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني في نيل حريته واستقلاله وتقرير مصيره وعودته لدياره التي طرد وشرد منها انزياحات هامة في مواقف العديد من الدول.

 
ولم يتوقف الدعم ورفض الحرب الاجرامية عند حدود شريحة الطلاب، وإنما اتسعت دائرة التأييد والمساندة للحقوق الوطنية في أوساط قطاعات واسعة من الشعوب الغربية، وتعززت السردية والرموز الفلسطينية مثل الكوفية والعلم في أوساط الرأي العام العالمي. كما أن عددًا لا بأس به من الموظفين في الخارجية وغيرها من المؤسسات الحكومية، ورفعوا مذكرات ورسائل احتجاج عديدة ضد سياسات الإدارة الأميركية ودول أوروبية أخرى، وحدث تحول وتطور في مواقف العديد من الحكومات والدول تجاه حقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني. 
هذا التحول في المزاج العام للرأي العام العالمي، وفي تعاظم التأييد الدولي للقضية والحقوق الوطنية تمثل في عدد من الإنجازات، منها: أولاً زيادة واتساع الدول الداعمة للمصالح الفلسطينية في منابر الأمم المتحدة المختلفة، رغم الضغوط الأميركية والبريطانية والألمانية والكندية ومن يدور في فلكهم على العديد من الدول، ومع ذلك صوت لصالح رفع مكانة فلسطين في مجلس الامن الدولي لدول عضو كامل 12 دولة، وصوتت 143 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار. فضلاً عن المواقف النوعية للأمين العام للأمم المتحدة غوتيرش وممثلو الهيئة الأممية الأولى؛ ثانيًا إقرار محكمة العدل الدولية مبدئيا بوجود حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، واصدارها أحكامًا وتدابير في يناير الماضي استجابة للدعوى القضائية لجنوب افريقيا ونيكاراغوا؛ ثالثًا توجه المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام كريم خان لمطالبة المحكمة التمهيدية بإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، وهي سابقة هامة؛ رابعًا إعتراف 3 دول أوروبية أمس الأربعاء هي النرويج واسبانيا وايرلندا بدولة فلسطين، والتي تحمل في طياتها تحولاً إيجابيًا ستدفع عدد من دول الاتحاد الأوروبي للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

 
والاعتراف من قبل الدول ال3 يشكل انعطافة نوعية وهامة على طريق توسيع نطاق الاعتراف بالدولة الفلسطينية، رغم أن الاعتراف تأخر كثيرًا، لكنه يعتبر إنجازًا هامًا. لا سيما وانه يأتي من دول المركز الأوروبي ذات الثقل السياسي والديبلوماسي، مما سيزيد من عزلة إسرائيل ومن يقف خلفها، وخروجًا على الموقف الأميركي، الذي شكل حجر عثرة في طريق الاعتراف الدولي عمومًا والدول الأوروبية خصوصًا، ومازال موقف الإدارة الأميركية عقبة كأداء أمام وقف دائم وفوري لحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، ورفع مكانة الدولة الفلسطينية لدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، والاسهام في دفع عربة التسوية السياسية للأمام على أساس خيار حل الدولتين على حدود 4 يونيو 1967، وتعزيز مكانة المصالح الوطنية في المحافل الأوروبية والدولية. 
وهذا الاعتراف الهام والتاريخي أثار غضب وسخط الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا ومن لف لفهم، وفتح الأفق أمام تحولات كيفية على الصعد المختلفة، وشكل رافعة هامة للنضال الفلسطيني، وأكد أهمية الجهود السياسية والديبلوماسية للقيادة الفلسطينية بمستوياتها المختلفة، التي بذلت خلال الأعوام الماضية وخاصة في زمن حرب الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وبالضرورة ستتعاظم لاحقًا تلك الجهود لتطوير وتوسيع عمليات الاعتراف بالدولة الفلسطينية والحقوق والثوابت الوطنية كافة.