توجه مندوب فلسطين في الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي (2/4/2024) برسالة للأمين العام غوتيرش طالب فيها بضرورة الدعوة لمجلس الأمن رسميًا للنظر مجددًا نيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الهيئة الدولية، الذي قدمته قبل 13 عامَا، ولم يمرره المجلس للتصويت آنذاك، كونه لم يحصل على 9 أصوات في المجلس. مما دعا القيادة الفلسطينية في 29 نوفمبر 2012 لطلب عضوية دولة مراقب في الجمعية العامة، وتمت الموافقة على القرار الأممي 19/67، وانتظرت قيادة منظمة التحرير حتى حانت اللحظة لإعادة المحاولة مجددًا لنيل العضوية الكاملة الواجبة والضرورية منذ قرار التقسيم الأول 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947. 
لكن الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة وبعض الأنظمة العربية حالت دون إقامة الدولة الفلسطينية من حيث المبدأ، ورفضوا حصولها على مكانة العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لحسابات عنوانها طمس وتبديد القضية الفلسطينية، وتصفية ملف اللاجئين، وحتى بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو 1993 أصرت بعض الدول العربية على رفض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لخشيتها من تداعياتها على مستقبل أنظمتها السياسية. 


وكنت كتبت ودعوت القيادة الفلسطينية سابقًا هنا، ومنذ بداية حرب الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني بضرورة تكثيف الحضور في الأرض وفي المنابر الأممية على حد سواء. لان هذه الحرب ذات طابع مختلف، ولا يجوز الخشية من الانخراط في تكريس الوجود الفاعل لمنظمة التحرير، لا سيما وأنها قائدة الشعب والمشروع الوطني التحرري، والممثل الشرعي والوحيد للشعب بمختلف تلاوينه ومشاربه الفكرية والعقائدية والسياسية. 
ومازلنا في حضرة حرب الإبادة الجماعية الأميركية الإسرائيلية لليوم 183، ولم تنتهِ اوزارها وفظائعها واهوالها الوحشية وشهد العالم تحولات إيجابية لصالح القضية والشعب الفلسطيني والاهداف الوطنية، وارتفعت الأصوات الرسمية والشعبية المنادية في العالم بإقرار وتجسيد خيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، الأمر الذي حفز القيادة الفلسطينية على التقدم مجددًا لنيل العضوية الكاملة للدولة الفلسطينية في هيئة الأمم المتحدة، الذي تأخر 77 عامًا كاملاً. 
لكن الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها المملكة المتحدة صاحبتا المشروع الصهيوني، وسادة الدولة الإسرائيلية اللقيطة ومن يدور في فلكهم من دول الغرب الامبريالي، رغم تصريحاتهم المتواترة عن ضرورة التزام إسرائيل بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، لم تعكس هذا الموقف بقرينة واحدة طيلة زمن الحرب الممتدة للشهر السادس ليس هذا فحسب، بل انها مازالت تمنح حكومة نتنياهو الضوء الأخضر لمواصلة حرب الأرض المحروقة على الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا، وترفدها بالطائرات المقاتلة من طراز F35 و F15 والاف القنابل والصواريخ والذخائر والمعدات والاليات العسكرية الفتاكة عبر الجسور الجوية والبحرية.
ولم تقتصر مواقف واشنطن عند حدود ما تقدم، بل إن الخارجية الأميركية بعدما علمت برسالة المندوب الفلسطيني بطلب عقد جلسة لمجلس الأمن لإعادة التصويت على مشروع قرار برفع مكانة فلسطين لدولة كاملة العضوية، أعلنت بلسان المتحدث باسمها ماثيو ميلر للصحافيين بأن "هذا الأمر يجب أن يتم من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وهذا ما نعمل من أجله في الوقت الراهن، وليس في الأمم المتحدة." وتابع من جهة أخرى نائب المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة روبرت وود محذرًا ومهددًا الأمم المتحدة ككل بالقول: إن اعتراف المنظمة الدولية ككل بالدولة الفلسطينية سيعني "قطع التمويل عن نظام الأمم المتحدة، نحن ملتزمون بالقانون الأميركي".  


ورغم أن تصريحات ميلر وود لم تتطرق لاستخدام البيت الأبيض الفيتو، إلا أن المكتوب الأميركي قُرئ عنوانه، وهو أنها ماضية في استخدام حق النقض/ الفيتو ضد مشروع القرار الفلسطيني العربي، ولن تسمح بتمريره، وهي بلسان وود هددت بقطع التمويل عن المنظومة الأممية كلها، فهل ستسمح بتمرير مشروع القرار؟ والأسئلة المثارة هنا، متى كانت قرارات وقوانين ودساتير الدول الخاصة ملزمة لهيئة الأمم المتحدة، أليس العكس هو الصحيح؟ ثم لماذا على القيادة الفلسطينية أن تنتظر رحمة المفاوضات الثنائية مع إسرائيل غير الموجودة؟ وهل تم الاعتراف بإسرائيل ضمن المفاوضات مع القيادة الفلسطينية عام 1948، ام تم توقيع وزير خارجيتها شاريت الأول على القرارين 181 و194 للاعتراف بها؟ وهل القيادة الإسرائيلية مستعدة للمفاوضات أصلاً؟ ألم يقطع طريق المفاوضات نتنياهو نفسه الحاكم بأمره في إسرائيل في مارس 2014؟ وأليس هو من دفع الكنيست للتصويت على قرار عدم الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية بأغلبية 99 صوتا في 22 فبراير الماضي؟ وإذا كانت الأمم المتحدة ليست المكان المناسب للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فأين المكان الأنسب من هيئة الأمم، أم تريد واشنطن الالتفاف على الشرعية الدولية، كما فعلت خلال العقود الماضية؟ وإلا يعني التهديد والوعيد الأميركي إصرار إدارة بايدن على عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وعدم السماح باستقلالها وسيادتها على أرضها؟ 

وبودي أن أخلص موجهًا موقفي لاولئك الغارقين في متاهة الوعود الأميركية، أن يستيقظوا من سبات نومهم على "عسل" الأكاذيب والوعود الأميركية. وعلى الأقطاب الدولية ان تعمل وتتهيأ على نقل مقر الأمم المتحدة من نيويورك. لأن الولايات المتحدة لم تعد المكان المناسب لاحتضان مقر الشرعية الدولية، إن كانت الأقطاب الدولية تملك الإرادة والقوة والامكانيات في بناء صرح نظام عالمي متعدد الأقطاب.