ميساء عمر

ظلت خولة يوسف شتيوي "ام يزن" (48 عاما)، رغم تقدم العمر ومتاعب الزراعة، فلاحةً متمسكةً بأرضها.

وتكابد "ام يزن" من قرية فلامية شمال مدينة قلقيلية، ظروفا صعبة بسبب عنجهية الاحتلال الإسرائيلي.

هناك، على بعد كيلومترات قليلة من جدار الفصل العنصري، وبين اشجار الجوافة والحمضيات، تقضي "ام يزن"، جل وقتها بما تبقى من أرضها الزراعية التي ورثتها عن والدها بمساحة اجمالية تقدر بـ"15 دونما"، قبل أن يقضمها الاحتلال لصالح مشاريعه الاستيطانية، وتصبح 5 دونمات فقط.

وتحدث شتيوي، بينما كانت تمتد سواعدها لتقطف ثمار "الخيار"، بمساعدة عائلتها، عن ارضها بحسرة وخيبة أمل منقطعة النظير، فهيهات ان تعود الأرض الى بهائها، بعد ان سلبها الجدار العازل.

وتبين انه على مدار سنوات طويلة يحاول الاحتلال جاهدا تضييق الخناق عليهم ودفعهم الى هجرة أراضيهم بطرق التفافية، وتروي بذلك حادثة مرت بها أول أمس قائلة: "بينما ذهبت الى تفقد محاصيلي الزراعية من الملفوف، والكوسا، والقَرنَبِيط، والباذنجان، وجدت الخنازير قد تجاوزت السياج المعدني الذي يحيط بالأرض وقد عاثت بها خرابا واسعا".

وتوضح   ان الاحتلال بين فترة واخرى يتعمد فتح البوابة الزراعية القريبة منهم ورقمها"914" لإطلاق الخنازير باتجاه الأراضي الزراعية، وفي المقابل يمنعهم من استخدام أي وسيلة لمحاربتها بذريعة الحفاظ على توازن البيئة.

ولا يقف الأمر على ذلك، فشهريا ومع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة حركة سرعة الرياح، يتعمد الاحتلال رش مبيدات بمنطقة الجدار وقريبا من الأراضي الزراعية، وهذا الأمر بحسب "شتيوي"، يسبب في كثير من الأحيان إتلاف المحاصيل القريبة من الجدار، وضعف انتاجية الأرض على المدى البعيد.

وتتابع:" علاوة على ذلك يضع الاحتلال في طريقنا الى الأرض اكوام من التراب والحجارة، تصعب علينا احضار الآلات والمعدات اللازمة لحراثتها وتسميدها، وتجبرنا على السير على الأقدام واستخدام الأدوات اليدوية البدائية في الفلاحة ".

"أم يزن" والتي بدأت مسيرة عملها بالأرض في السابعة عشر من عمرها وتعيل اليوم الى جانب زوجها "7 أفراد"، تؤكد انه "من المستحيل أن تتنازل عن شبرٍ باق من أرض آبائها وأجدادها وتعزف عن زراعته، بل على العكس تماما ستبقى حارسة للأرض توثق حقها وانتهاكات أرضها وتروي قصتها إلى أحفادها لآخر أنفاسها" كما تقول.

فبعدما التهم الجدار مساحات شاسعة من الأراضي خسر الكثير من المزارعين مهنتهم بالزراعة بسبب الاستيلاء عليها، وآخرون خسروها بسبب عنجهية الاحتلال واجراءاته التي كانت في كثير من الأحيان تعيق وصولهم الى أراضيهم، وتشكل لهم خطرا محدقا.

وبحسب مجلس قروي فلامية، فإن القرية منذ النكبة الى اليوم، تشكل محط أطماع الاحتلال، فقد صادر الاحتلال بالنكسة 400 دونم من أراضيها لبناء مستوطنات 'سور ايجال' و'كخاف يائير'، ومستعمرة 'سورن تن'، كما والتهم جدار الفصل العنصري ما يقارب من 5000 دونم، ويرجع ذلك لموقعها الاستراتيجي الذي جعل منها محط اطماع الاحتلال فهي تتوسط محافظتي طولكرم وقلقيلية وترتبط أراضيها مع أراضي بلدتي الطيرة والطيبة داخل أراضي 48.

بعد مرور 73 عاما على النكبة، يتعرض الفلسطينيون يوميا لنكبات جديدة متتالية، تتمثل باستهداف منازلهم واعتقال ابنائهم، للضغط عليهم وتنغيص معيشتهم، وفي كل مرة يؤكد شعبنا بثباته على ارضه، الهدف الذي يضحى من اجله آلاف الشهداء والجرحى، والمتمثل بالتحرر والاستقلال الذي لن يتراجع عنه الشعب مهما بلغت التضحيات.