صحيح أننا لا نمتلك طائرات وصواريخ أو أي اسلحة استراتيجية، لكن فينا ولدينا مخزون أعظم وأقوى وأشد تأثيرًا منها في المنازلات والمعارك ورسم دوائر الصراع، وقد لا يصدق المرتكزون على منطق القوتين الاقتصادية والعسكرية كمعيار لقياس وتصنيف الدول والشعوب العظمى أن الشعب الفلسطيني المؤمن بهويته الوطنية وجذوره الإنسانية العربية الفلسطينية قادر على إثبات جدارته بتبوء مكانة الشعب العظيم، ودفع فلاسفة وحكماء علوم السياسة وفقهائها لإعادة النظر بالمقاييس والمعايير المعتمدة... فلا شعب في العالم تتالت على أرضه الحملات الاستعمارية كما حدث مع الشعب الفلسطيني، وكلها كانت مشاريع احتلال واستعمار استيطان وكانت الإبادة أو التهجير على رأس قائمة أهداف خطط المستعمرين، وحتى لا نتوغل كثيرًا في التاريخ فإن الحملة الاستعمارية البريطانية التي هيأت كل الظروف لحملة الغزو والاستيطان والاحتلال والاستعمار العنصري الصهيوني وابتداء تجسيدها عمليًا بوعد بلفور عام 1917 قد تكون شاهد إثبات على ما نذهب إليه...لكن الشعب الفلسطيني قد حمى شجرة الإنسانية المقدسة من أجل زمانه اللانهائي على أرض وطنه، ومن أجل زمان أفضل للإنسانية.

أحداث الأيام الماضية التي صنعها الشعب الفلسطيني تكفي وحدها لكتابة رسالة لكل المعنيين بقراءة التاريخ، وصياغة مكونات ومقومات الدول والشعوب، فشباب فلسطين من الجنسين أول الذين انقذوني من اختناق كاد يكون محتومًا بسبب كثافة الغازات الخارقة الحارقة للرئة والعينين عند حاجز الاحتلال الارهابي الاسرائيلي في المدخل الشمالي لمدينة البيرة، حاجز المعسكر والمستوطنة المسمى ( بيت إيل ) أثناء مواجهات شعبية مساندة لشعبنا في القدس وغزة وبمناسبة مرور 73 عامًا على النكبة في 15 أيار عام 1948 قد زادوني بشحنة ثقة لانهائية بإيماني بالفكرة التي كتبناها في المقدمة، أما الصور التي تأتينا من القدس ومن كل مدينة وبلدة في فلسطين التاريخية والطبيعية المحتلة، من اللد ويافا وحيفا وعكا والجليل وكفركنا والطيبة وأم الفحم والرملة فإنها تحمل لنا بشرى البقاء ليس على أرض الوطن وحسب، بل بقاء الإيمان المتجسد بالفعل للحفاظ على الهوية، هوية الشعب الحافظ والحامي والضامن لهوية أرض وطنه، فقد برهن شبابنا على فشل رؤساء المشروع الصهيوني في تذويب وصهر الشخصية الوطنية الفلسطينية وصبها في قوالبهم، أو تجريد أجيال فلسطينية من عقيدة الانتماء ودفعهم للتماهي والانسجام رغم اساليب الإغراء المادية والنفسية، فقد أثبت شبابنا إخلاصهم وقدرتهم على تحمل أمانة حماية الجذور الفلسطينية الضاربة في أعماق فكر وعقل وقلب وشرايين وفعل وعمل وسلوك كل واحد فيهم باعتبارهم الجيل الرابع، فالقدس لم توحدنا وحسب كما قال الرئيس أبو مازن، بل بعثت على دنيا فلسطين إشعاعًا يبشر بصبح الحرية والاستقلال، ومنحتنا ثقة لا لبس فيها بإمكانية التحرر من إرهاب وعنصرية الاحتلال، فوحدتنا وتوريث الصدق في الانتماء سلاحنا الإستراتيجي الذي لا نحتاج فيه إلى فولاذ وبارود، وإنما الى الانسان المواطن الوطني وهو المادة الأعظم التي تجعل منا شعبا عظيما، مادة لا تفنى ولا تقوى عليها المضادات حتى لو اجتمعت عليها كل قبب العالم الحديدية.

مجرمو الحرب في المنظومة العنصرية المسماة اسرائيل يقدمون كيانهم على شكل دولة لكنهم في الحقيقة والواقع ائتلاف منظمات وجماعات خارجة على الناموس الانساني، راكبة صهوة الديمقراطية وتدعي أنها احزاب، استطاعت بحكم نفوذها وسيطرتها منع أي موقف سياسي او انساني من جرائمها وقيدته بقوانين ( اللاسامية ) في معظم دول العالم المؤثرة، لتمارس جرائم الحرب والإبادة ضد الشعب الفلسطيني.

مجرمو الحرب مرتكبو الجرائم ضد الانسانية سيصنفهم التاريخ أعداءً للإنسانية وأخلاقها وقوانينها وشرائعها. مجرمون صنعوا في مختبرات دول استعمارية كبرى بتزويج نطف الشيطان مع ذرات الجحيم، انتهجوا قتل الأمهات الفلسطينيات وأجنتهن في بطونهن، ووضعوا الرضع والأطفال هدفا لصواريخم وقنابلهم (الذكية!!).

جيل فلسطيني رابع بعد النكبة لا يقر ولا يستسلم ولا يخضع للقوى التي فرضتها على أجدادهم، وإنما ينتصر عليها برسالة للعالم مخطوطة بتضحياتهم " إننا هنا كنا وهنا باقون وهنا سنكون ".