تقرير: هدى حبايب

من على الأطراف الشرقية لبلدة بلعا شرق طولكرم تنظر الحاجة عائشة أبو خضرة "أم ماهر" (80 عاما) إلى الأرض التي استولى عليها الاحتلال الإسرائيلي لصالح مخططاته الاستيطانية وأقام عليها مستوطنة "عناب"، وإلى الجنوب الغربي منها مستوطنة "إفني حيفتس".

الحاجة أبو خضرة التي تجملت بالثوب المطرز رمز بلدتها، تحمل حماسا ثابتا تحاول نقله لأحفادها لمواجهة الاحتلال الذي يعمل جاهدا على سلب الأراضي والاستيطان فيها وتحثهم على مقاومة أطماعه.

بضعة كيلومترات فقط تفصلها عن أرضها البالغة مساحتها 8 دونمات، تنظر بألم وحسرة على مصيرها، فالاحتلال حرم أصحابها من العمل بها، بعد أن كانت في مثل هذه الأيام من كل عام أشبه ما تكون "بخلية نحل"، تعج بالحركة والنشاط والعمل بالزراعة الصيفية، إلى جانب كونها مزروعة بأشجار الزيتون واللوز.

بلعا إحدى بلدات شرق طولكرم، وهي منطقة جبلية ترتفع 404 أمتار عن سطح البحر، تحتضن جبل المنطار من الجهة الجنوبية الغربية، وهو معلم من معالم الثورة والمقاومة الفلسطينية أيام الانتداب البريطاني على فلسطين، فكان نقطة انطلاق للثورة الفلسطينية الكبرى التي تعرف ثورة 1936.

تشعر الحاجة أبو خضرة بغصة كبيرة كلما حلت مناسبة وطنية تخص الأرض والقضية، تحمل في ذاكرتها تفاصيل ما حل بفلسطين منذ 1967، عندما احتل اليهود ما تبقى من المدن والقرى في الضفة الغربية ومنها قريتها بلعا، وكيف اقتحمها الاحتلال في صيف حزيران، وفرض حظر التجول عليها، ناشرا الرعب والخوف في نفوس النساء والأطفال، مما اضطر كثيرا من العائلات إلى تهيئة أنفسهم للخروج من البلدة وشرعوا بتجهيز أطفالهم وحمل ما تقدر عليه أيديهم من ضروريات، قبل أن يسمح لهم بالبقاء في منازلهم.

وتمر في ذاكرتها أحداث وثورات وقعت في فلسطين، مرورا بيوم الأرض عام 1976، الذي تصادف ذكراه اليوم الثلاثين من آذار، وانتفاضتي الحجارة والأقصى، فكل حدث يخص الأرض هو بالنسبة لها مناسبة أليمة، فتقول: "راحت الأرض، جبرك على الله تعود".

وتابعت بحرقة، "بلعا ذاقت الويلات من الاحتلال، صحيح أن أراضيها لم تتعرض للاستيلاء من الاحتلال ولكنها مهددة في أي وقت، ونحن نرى آلاف الدونمات من أراضي القرى المجاورة لها وهي رامين وكفر اللبد وعنبتا، استولى عليها الاحتلال وأقام مستوطنتي "عناب"، و"أفني حيفتس"، مستشعرة القلق من المصير القادم.

وتتوق الحاجة عائشة إلى عودة الحياة الفلسطينية إلى طبيعتها البسيطة والجميلة في بلعا، والتي كان يقصدها الفلاحون من القرى المجاورة إما للزراعة أو الاستجمام، كونها منطقة جبلية تطل على الساحل الفلسطيني، وعلى باقي مدن فلسطين".

وتستذكر الخيرات الوفيرة التي كانت تجنيها من الأرض في الماضي وتوفر للأسرة الحياة الكريمة في أجواء من السعادة والفرح، وهي تعمل في زراعة الأرض وجني المحصول.

وبحكم موقعها المرتفع كانت بلعا من أشهر القرى الزراعية من الدرجة الأولى كما تقول: "في الماضي كنا نزرع الزيتون والفول والبصل والعدس والقمح والشعير والكرسنة والبيكا وحتى السمسم ونخزنها، إلى جانب الأعشاب البرية من العليق والعرقد والسويد، فكانت لنا وجبات غذائية صحية وحصنا منيعا ضد الأمراض".

وتعود بذاكرتها إلى حيث كانت تعمل بقوتها في الأرض وتصف تلك الأيام بأنها هداة بال رغم التعب وتقول: "كانت الأراضي نظيفة، كنا نعتني بها ونخدمها ونعشبها ونحرثها ونزرعها بكل شيء"، تتذكر أرض الغميقة، وأرض الحرايق المزروعة بأنواع المشمش من العلوي والبلدي والحموي، إلى جانب الجرانق والرمان والصبر من جميع الأصناف، كانت تكفي الجميع من بلعا والمناطق الفلسطينية الأخرى.

وتشعر بالأسى وهي ترى عزوف نسبة كبيرة من المواطنين خاصة الشباب عن العمل بالأرض ولجوء عدد كبير إلى بيعها، والبحث عن عمل خارج البلدة، أو في أراضي 1948، للتغلب على ظروف الحياة الصعبة وتوفير متطلبات عائلاتهم، فأصبحت الأرض فارغة تنتشر فيها الأعشاب الكبيرة اليابسة التي تفتك بالأرض.

وتقول: "اليوم صارت الناس تبيع الأرض، وأنا بقول لهم تمسكوا بالأرض، فهي الذهب ما بتنباع، والله حرام بعز عليك تعبك طوال السنين فيها، ما في مثل الأرض".

ودائما توصي أولادها وأحفادها بالتمسك بالأرض والاهتمام بها وعدم تركها مهما حدث، وتدرك أن أي لحظة غفلة عنها ستكون فريسة للسرقة من قبل الاحتلال، وتقول: "الأرض بدها أصحابها وأيادي تعمل وتعمر، بلادنا مباركة وكذلك الأرض".

ويحذر منسق اللجان الشعبية في حملة مقاومة الجدار والاستيطان في الضفة الغربية سهيل السلمان، من ترك الأراضي فارغة دون اهتمام، لأنها ستصبح عرضة للاستيلاء من قبل الاحتلال وقطعان المستوطنين.

وقال: "إن المنطقة الملاصقة للمنطار في بلعا وهي منطقة مزروعة بأشجار الزيتون وتمتلكها عدة أسر من البلدة، شهدت خلال الفترة الأخيرة تواجدا للمستوطنين الذين نصبوا الخيام فيها، على ما يبدو أنهم وضعوا عيونهم عليها وهناك نية لمصادرتها".

وأضاف، أي ارض فارغة فيها عيون ماء أو منطقة أثرية فإنها تشكل منطقة جذب للاحتلال فيعبثوا فيها ويغيروا من معالمها وقد يضيفوا عليها قطعا أثرية لإثبات أنها منطقة يهودية.

ودعا المواطنين والمؤسسات والبلديات إلى حماية هذه المناطق والعناية بها وتسيير الرحلات والمسارات السياحية وإقامة المنتزهات فيها والتواجد فيها باستمرار".

وأوضح أن منطقة طولكرم وكأنها الآن تحت عين الاستيطان، وواضح ذلك من محاولات الاستيلاء على كل الأراضي الفارغة المحيطة بالقرى الفلسطينية، وهي وسيلة لإجبار الناس على الرحيل خاصة عندما تكون قرية فلسطينية محاطة من كل الجوانب بالمستوطنات، محذرا من التمدد العمراني المرعب لمستوطنتي "عناب" و"أفني حيفتس"، التي يسعى الاحتلال إلى رفع أعداد المستوطنين فيها إلى (20 ألف)، عدا عن المنطقة الصناعية التجارية التي ينوي الاحتلال إقامتها جنوب وشرق المحافظة وعزلها عن وسطها وشمالها والمدينة ومخيماتها.