ساهر عمرو

يجسد أهالي قرية سوسيا التي تقع في مسافر يطا جنوب الخليل، حالة من الصمود الأسطوري والتمسك بالأرص أمام غول الاستيطان الإسرائيلي الذي يتهدد المنطقة.

500 مواطن فلسطيني هم مجموع سكان القرية النائية، يعملون في الزراعة وتربية الثروة الحيوانية، كانوا يستغلون مساحتها البالغة 8000 دونم، قبل أن يستولي الاحتلال ومستوطنوه على 80 % منها برواية كاذبة، ويهجرهم قسرا وبقوة السلاح من قلب قريتهم، ليسكنوا أطرافها تمسكا بأرضهم وأملا بالعودة الى بيوتهم وممتلكاتهم.

عشية يوم الأرض الذي يصادف غدا الثلاثين من آذار، يعيش أهالي قرية "سوسيا الجديدة" التي لا تبعد سوى عشرات الأمتار عن سوسيا الأم، حالة قلق دائم، إنهم ينتظرون عملية هدم وتهجير ثانية أقرتها سلطات الاحتلال بحقهم، قد تقدم على تنفيذها في أية لحظة.

ويستعرض ابن القرية الباحث الميداني نصر النواجعة سياسة الاحتلال في السيطرة على القرية وتهجير أصحابها لصالح مشروعه الاستيطاني، ففي مطلع الثمانينات بدأت المرحلة الأولى من المخطط الاستيطاني عندما أعلن الاحتلال مصادرته لما يزيد عن 200 دونم من أراضي القرية الزراعية، وتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة، وفي عام 1983 بدأ الاحتلال ببناء مستوطنة على هذه الاراضي جنوب شرق القرية، اطلق عليها مستوطنة "سوسيا"، تزامن ذلك مع بناء مستوطنتي "ماعون وكرمئيل"، لتشكل حزاما من المستوطنات يحاصر التجمعات الفلسطينية ويعمل للحد من توسعها، كخطوة أولى لتهجير سكانها والاستيلاء عليها.

وأخذت مستوطنة سوسيا بالتوسع على حساب اراضي المواطنين، واصبحت هذه المستوطنة التي يقطنها ما يقارب من 1200 مستوطن مركزا للتجمعات الاستيطانية الأخرى المنتشرة جنوب الخليل، تضم بداخلها جامعة، وواحدة من اكثر المدارس الدينية تطرفا بالإضافة لعدد من الاندية والمؤسسات الاستيطانية.

وفي عام 1986 بدأت المرحلة الثانية بإعلان سلطات الاحتلال الاسرائيلي الاستيلاء ووضع اليد على الجزء الثاني من اراضي القرية والتي تعرف "بسوسيا التاريخية"، وتهجير ما يزيد عن 25 عائلة فلسطينية منها ومنعهم من دخولها، بزعم وجود آثار لهم ولأغراض انشاء "حديقة وطنية" للمستوطنين هناك.

وبقوة السلاح أخلى جيش الاحتلال القرية وأرغم اصحابها على الخروج منها، مخلفين وراءهم ممتلكاتهم ومقتنياتهم، وانتقل جزء كبير من هذه العائلات للإقامة في اراضيهم الزراعية والكهوف القريبة من مركز القرية، تمسكا بأرضهم وأملا بالعودة الى بيوتهم التي هجروا منها قسرا.

ومرت الشهور ولم يتمكن الاهالي من العودة، بل على العكس من ذلك، استولى المستوطنون على القرية وسكنوها وسرقوا كل مقتنيات الاهالي، وضاعف الاحتلال بذلك من مساحة الاراضي التي استولى عليها حتى وصلت الى ما يزيد عن 6000 دونم تشكل ما نسبته 80%  من اراضي سوسيا.

ووجد الأهالي انفسهم في تجمع سكني عرف ب "سوسيا الجديدة"، محاط بالمستوطنين فهذه مستوطنة "سوسيا" من الجنوب الشرقي والتجمع الاستيطاني الذي تم انشاؤه على انقاض قريتهم من الجهة الغربية، ولم يكتف الاحتلال ومستوطنوه بممارسة سياسة الترهيب والاعتداء على الاهالي بشكل يومي منظم، لدفعهم إلى ترك ما تبقى لهم من أرض، بل عمد الى سياسة هدم البيوت، فمنذ عام 1993 هدم الاحتلال قرية سوسيا سبع مرات كان آخرها هدم القرية بالكامل عام 2001.

وأضاف نواجعة، ان المرحلة الثالثة من مخطط الاحتلال الاستيطاني بدأ عام 2012، عندما استجابت سلطات الاحتلال الاسرائيلية لطلب تقدمت به جمعية استيطانية يهودية متطرفة لهدم القرية، واصدرت 105 أوامر هدم لجميع المنشآت في القرية من ضمنها عيادة صحية ومدرسة ومجلس قروي وجمعية نسائية، مشيرا الى ان هنالك تخوفا كبيرا لدى المواطنين من إقدام سلطات الاحتلال على تنفيذ عملية هدم ثامنة للقرية وتهجيرهم عن أراضيهم للمرة الثانية.

من جانبه أوضح مدير السياحة والاثار في الخليل طالب جبران، ان ما يحدث في سوسيا يأتي في اطار الهجمة الإسرائيلية الممنهجة على المواقع والخرب الاثرية، بهدف تدميرها وسرقة محتوياتها وتزييف تاريخها بما يتناسب مع الرواية الصهيونية .

وأشار إلى أن سوسيا تقع على الطريق الرئيسي القديم الذي يربط يطا والسموع والكرمل شرقا، وكانت مركزا مهما خلال الفترات الرومانية والبيزنطية والإسلامية حتى منتصف ثمانيات القرن العشرين، وكانت البلدة مأهولة بالسكان منذ مئات السنين، حيث اهتم أهلها في معيشتهم على رعي الأغنام والزراعة، وعاشوا في بيوت وكهوف قديمة.

ويعود تاريخ نشوء البلدة إلى الفترة اليونانية "خلال القرن الثاني قبل الميلاد"، ففي التنقيبات التي أُجريت في الموقع، تمّ الكشف عن منشآت مختلفة منها معاصر ومبان سكنية، واستمر السكن في البلدة خلال الفترة الرومانية وبنيت المباني بشكل متلاصق، احتوت ساحات هذه المباني على العديد من الكهوف تحت الأرض، ثم واصلت البلدة تطوّرها حتى بلغت ذروتها في العصر البيزنطي (بين القرون 4-7 للميلاد، وفي بداية الفترة الإسلامية في القرنين 7-8 للميلاد). وفي هذه الفترة أضيفت مبان سكنية مختلفة عما كان متّبعًا في فترات سابقة، وخلال الفترات الإسلامية بقي الموقع مأهولا بالسكان، وقد عثر خلال التنقيبات على بقايا مسجد ومحراب في الموقع، ما يؤكد عروبته.

وأكد أن هذه الخربة والمواقع المحيطة بها هما جزء لا يتجزأ من التراث الفلسطيني والتاريخ الأثري للمنطقة والتي تعتبر استمرا للتاريخ الحضاري الفلسطيني ولهذا عمدت سلطات الاحتلال لتهجير السكان من المنطقة بهدف طمس مرحلة تاريخية هامة.

وقالت رئيسة الجمعية النسوية بسوسيا "احدى المنشآت المهددة بالإزالة" الناشطة فاطمة النواجعة، إن ما يحدث بسوسيا عملية تطهير عرقي بحق الفلسطينيين وسرقة للتراث الفلسطيني، في اشارة منها الى ان ما يتم عرضه من قبل المستوطنين في سوسيا على أنها اثار يهودية، ما هي الا مقتنياتنا من أواني فخارية وحجرية "كحجر الرحى" وجلود "كالشراع" الخاص باللبن والمحراث الخشبي وغيرها من الادوات والمعدات، والتي استولى عليها المستوطنون بعد تهجيرنا من قريتنا، ونسبوها لهم في محاولة منهم لتبرير تهجير الاهالي والاستيلاء على ارضهم.

وأكدت نواجعة، "نحن صامدون ومتمسكون بأراضينا ولن نقبل بتهجيرنا للمرة الثانية، بالرغم من خوفنا الشديد".