قبل أيام أطلقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين تقريرها السنوي الثامن عن واقع وتحديات وعطاء الصحافة الفلسطينية والحالة الإعلامية خلال عام 2020، عام كبيس على العالم وعلى الأراضي الفلسطينية بكل المقاييس، ليس فقط بسبب جائحة "كورونا" والخسائر الاجتماعية والصحية والإنسانية والاقتصادية التي خلفها زلزال فيروس صغير، وإنما التحديات التي ضربت الأراضي الفلسطينية على مستوى انفلات سياسات الاحتلال ضد الإنسان والأرض لاستثمار الظرف الراهن لتكريس كل ما يستطيع من وقائع قوة الأمر الواقع.

عام من التحديات التي وضعت الكل الفلسطيني في مواجهة متعددة الجبهات، مواجهة استنفرت كل الموارد والطاقات، لأن التهديدات من "كورونا" ممثلة بكوفيد-19 وكورونا السياسة بكافة أشكالها وتداعياتها، ومستجدات التغييرات الاستراتيجية على المستوى السياسي الاقليمي، وضعت الإعلام بكامل مكوناته في مقدمة المواجهة، تارة لتغطية تطورات تفشي الجائحة والوقوف إلى جانب معركة التوعية والالتزام بكل مسؤولية وإيجابية مع إجراءات حصار الجائحة، وعين وكلمة تواجه الهجمة المتصاعدة وغير المسبوقة على القضية وثوابتها الوطنية.

معارك مفتوحة على كافة الجبهات كان للإعلاميات والصحفيات الفلسطينيات كعادتهن موقعٌ متقدم ودور بارز على مختلف المحاور، من شمال فلسطين إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، تسطر فيها الصحفية الفلسطينية نموذجاً للعطاء رغم المخاطر والتضحيات، ولأن العطاء لا يكون دون ثمن، رصد تقرير نقابة الصحفيين الفلسطينيين عشرات الانتهاكات والتعديات ضد الصحفيين  بشكل عام وضد الصحفيات بشكل خاص، لتصل نسبة اللواتي تعرضن للانتهاكات من الصحفيات لنحو 13% من أصل 495 صحفياً وصحفية خلال عام 2020.

هذه النسبة عنوان فخر للإعلامية الفلسطينية، فارسة الميدان وقاهرة أعداء الحرية، فالبطش الاحتلالي الموجه لعدسات وأقلام الصحفيين دليل على عدم احترام هذا الاحتلال لحقوق الصحفيين وقبلها حقوق الانسان، وهي دلالة على أن البطش لا يكسر قلم الإعلام أو يكسر عدسة الصحفي، لكن الانتهاكات تزيد من عزيمة إعلامياتنا على المشاركة بعناد وإصرار على مواصلة رسالة الإعلام الرسمية والملتزمة بقضايا الوطن، فالإعلامية الفلسطينية هي ابنة قضية عادلة وصاحبة رسالة نبيلة وليست مجرد موظفة تتقاضى أجرًا قد ترهبها التهديدات أو تمنعها من أن تكون الرقم الأول في الميدان.

يكشف تقرير نقابة الصحفيين أهمية متابعة قضايا الانتهاكات للدفاع عن حقوق وسلامة الإعلاميات في الميدان في كافة المحافل، فحق التعبير وحرية الصحافة وحماية الصحفيين حق تكفله كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية، والدفاع عن الحقوق العادلة بالكلمة والصورة الصحفية حق مكفول في مواثيق الأمم المتحدة لكافة الشعوب، لأن الاعتداء على الصحفيين يمثل جريمة ضد كل القيم الإنسانية، وهذه مهمة ينبغي متابعتها مع كافة الجهات الإقليمية والدولية لضمان حق الصحفيين في العمل بحرية وضمان احترام كامل لسلامتهم في الميدان.

إعلامياتنا في كافة مواقع العمل يسطرن كل يوم نموذج عطاء ترفع لهن القبعات احتراماً وتقديراً، فالمراسلات اللواتي يرصدن الاعتداءات على الارض والانسان من قبل المستوطنين يعرضن أنفسهن لمخاطر شديدة ومع ذلك يستمر صوتهن يتردد في كافة وسائل الإعلام لإيصال صورة الظلم الذي يتعرض له الإنسان الفلسطيني في كل مكان، والصحفية التي تغطي عمليات التهويد والهدم للأرض والمباني وتجريف الممتلكات تعلم أنها تضع نفسها في مرمى النيران، ومع ذلك تصل صورة عدستها لكل انحاء العالم، والصحفية التي توثق بكلماتها أخبار وأحداث حالتنا الفلسطينية تضع قضيتنا في مقدمة أخبار العالم لتكسر ستائر الظلم التي يسعى البعض لفرضها عليها تحت غطاء النسيان.

هكذا هي روح الصحفية الفلسطينية، تتوقد عطاءً ويكسر أمام صمودها من يحاول اختبارها بلغة التهديد والبطش والانتهاكات، عصية على الإسكات، كلماتها وعدستها الصحفية تجوب عنان السماء، فحتى في سكونها تقض مضاجع الاعداء، وجودها في الميدان تحد للظلم والاحتلال، هي ليست عابرة سبيل إنها مارد أعلام، ظله أعلى من كل الانتهاكات.

قدر الفلسطينيين ذكوراً ونساء، سياسيين وسياسيات، إعلاميين وإعلاميات، إنهم أصحاب قضية، زمنها شديد التعقيد ويزداد قسوة في ظل اختلال الموازين، لكن الحق لا يموت بالتقادم، والدرس الكبير الذي تعلمنا إياه تجربة تلك الصحفيات، إننا باقون في الميدان وسنكتب بأقلامنا ونوثق بعدساتنا الصحفية اليوم الأخير بعد رحيل آخر الانتهاكات.