كما قال نتنياهو: نحن هنا لنبقى ونواصل بناء أرض إسرائيل، صرح ترامب: سوف ننتصر وأجعل أميركا عظيمة مرة أخرى.. خسر ترامب وما زال نتنياهو يلهث خلف مصالحه الانتخابية والقضائية غير آبه بما ستؤول سياساته من توتر في المنطقة واضطرابات في علاقات إسرائيل الخارجية.

وغدا إدارة جديدة في واشنطن، هيأ نتنياهو لاستقبالها قبل أيام قليلة بقرار غير مستجد يقضي  بالموافقة على بناء ما يقارب 800 وحدة سكنية في مستوطنات الضفة الغربية.

خطوة استنكرها الاتحاد الأوروبي مؤكدًا موقفه على أن المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي.

ودعت بريطانيا سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى الوقف الفوري للبناء الاستيطاني في القدس المحتلة والضفة الغربية منبهة إلى أن المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي وتقوض إمكانية حل الدولتين كما تهدد مفاوضات السلام مستقبلا.

التصعيد في الاستعمار وما يرافقه من تكثيف الاعتداءات الإرهابية للمستعمرين على الفلسطينيين في الآونة الأخيرة، وليس آخرها الاعتداء على الطفلة حلا القط ابنة السبع سنوات ومحاولة اختطافها، واقع يسعى نتنياهو المأزوم برحيل ترامب لفرضه على الأرض مستبقا موقف الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن المتوقع في معارضة الاستيطان.

ولو أن الاستيطان الإسرائيلي لم يتوقف على مدى عقود الاحتلال إلا أنه شهد ذروته في الأربع سنوات التي حكم بها ترامب، وهو الذي أرسى مفاهيم الفوضى التي ميزت سياساته في الداخل الأميركي وخارجه.

لقد اغدق ترامب منفردًا على الاسرائيليين هباته المسروقة فعلاوة على اعلانه القدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارة بلاده اليها واعترافه بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، أصدرت إدارته قرارًا أعلنت بموجبه انها لا تعتبر المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي علما ان تلك المستوطنات تعد جريمة حرب بموجب  نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وتنقض ما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة وان مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية أكدوا مرارًا على عدم شرعيتها وانتهاكها الجسيم للقانون الدولي.

يدرك نتنياهو جيدًا أن لا أحد كان ليمنحه إلا ترامب واعوانه الامتيازات التي ترقى الى الأفعال الجرمية المندرجة تحت بنود العقوبات المنصوص عنها في القوانين الدولية.

وليس غريبًا أن يثني نتنياهو مؤخرًا على مواقف السفير الأميركي المنتهية ولايته في إسرائيل ديفيد فريدمان ودوره في تصحيح المظالم التي حلت بالدبلوماسية العالمية بالنسبة لإسرائيل حسبما قال وتأثيره في التغيير بموقف الولايات المتحدة بخصوص المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية إذ لم تعد واشنطن تعتبرها مخالفة للقانون الدولي.

وعند عتبة انتهاء صلاحياته سفيرًا للكيان الصهيوني لم يتورع فريدمان عن شعوذاته السياسية والدبلوماسية في الاعتراف بالمشروع الاستيطاني المسمى مدينة داوود وسط القدس.. ما يستوجب السؤال: هل من نص في القوانين الدولية يمنح الحقوق على الارض بموجب "اعتراف ترامب وأعوانه "؟؟!! .. يتورط فريدمان ويورط أميركا معه ليس فقط في انتهاك القوانين الدولية انما بتشويه وفضح أسس النظام الأميركي برمته والبيان الصادر عن سفارة بلاده يوم أمس كاف وواف اذ يقول فيه: إن مدينة داوود هي شهادة على التراث اليهودي المسيحي، والمبادئ التأسيسية لأميركا!!

المشهد الاستيطاني البربري الذي عززته اعترافات ترامب وادارته لا شك أنه يهيئ لصدام مع إدارة بايدن كما المجتمع الدولي وهو لا يختلف كثيرًا عن مشهد التفلت الامني الذي شهدناه في واشنطن وقادة العنصريين البيض واليمينيين المتطرفين الذين ينحاز لهم ترامب بوجه الاقليات والمهاجرين.

لا شك أن فوضى ترامب أحدثت مشهدًا خطيرًا واضطرابات يخشى من تطورها مستقبلا في أميركا عبر احتلال مؤيديه لمبنى الكونغرس، رمز الديمقراطية الأميركية، في محاولة منه للانقضاض على المؤسسات الدستورية ونتائج الانتخابات التي دحضت المحاكم ادعاءاته بتزويرها.. كل ذلك ألقى على أصحاب القرار في واشنطن من ديمقراطيين وجمهوريين مسؤولية التصدي لأي مساس في جوهر النظام الديمقراطي للولايات المتحدة الاميركية ولملمة شظايا الهجوم الأخير على الكابيتول.

الإدارة الجديدة برئاسة بايدن المعنية بإزالة الفوارق في المجتمع الاميركي والقضاء على التمييز العنصري الذي تبناه ترامب وايقظه ضد فئات عديدة ، تنتظرها ملفات دولية أبرزها ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المؤجج بعنصرية اليمين المتطرف الذي يتزعمه نتنياهو.. وإذا كانت الديمقراطية نهج ينبذ الاستبداد ويؤمن في حق الشعوب بتقرير مصيرها فان أميركا معنية أيضًا بالتصحيح ورفض التعديات التي تحققت بموجب ما سمي "اعترافات ترامب وأعوانه" المخالفة للشرائع والمواثيق الدولية ومساءلتهم عليها، كما ضرورة التزامها، كدولة عظمى ووسيط دولي لحل النزاعات، بفرض الشرعية  على الأراضي الفلسطينية المحتلة بوجه البلطجة الإسرائيلية الماضية بترهيب الفلسطينيين في سبيل أن يبني نتنياهو أرض إسرائيل!