يوم الجمعة الفائت تصاعد الدخان الأبيض من مقر الرئاسة في رام الله مع إصدار الرئيس أبو مازن مرسوم الانتخابات البرلمانية والرئاسية والاستكمالية للمجلس الوطني حيثما أمكن ذلك. وقطع المرسوم الرئاسي الشك باليقين، وأفسد على المشككين سوء نواياهم، وافتراضاتهم غير الإيجابية، وحسم الجدل بهذا الشأن. لا سيما أن الانتخابات المتوالية في محطاتها ومواقعها الثلاثة مصلحة فلسطينية بحتة أولًا وقبل أي شيء آخر، وكونها تشكل بارقة أمل لإتمام المصالحة، وخطوة هامة للأمام في تجسير العلاقات البينية بين القوى السياسية المختلفة.

وعلى إثر ذلك بدأت عجلة العملية الانتخابية تتحرك من خلال الترتيبات، التي تجريها لجنة الانتخابات المركزية، وما أحدثته من نشاط ملموس بين مختلف قطاعات الشعب ونخبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لجهة الشروع في البحث الجدي لتشكيل القوائم. ومازال من المبكر الحديث عن المآل، الذي ستكون عليه تشكيلة تلك القوائم، بمعنى هل ستكون هناك قائمة مشتركة تضم جميع القوى والنخب، أم ستكون هناك أكثر من قائمة وفق معايير القوى والفصائل والحركات السياسية والمستقلين؟ وما هي المعايير الناظمة لكل قوة أو شخصية سياسية، التي تشكل الأساس لتشكيل القوائم من حيث التوجهات السياسية والكفاحية والأوزان، وأولويات المقاعد في كل قائمة أو القائمة المشتركة؟ وهل ستكون الانتخابات بوابة المصالحة الوطنية، أم أنها ستكون منفصلة عن الموضوع والملف الأساس، وبالتالي تكون تكريسًا للواقع الانقسامي؟ وكيف نجعل من الانتخابات المدماك الأهم لطي صفحة الانقلاب على الشرعية؟ وهل يمكن لصانع القرار القبول بالفصل بين المسألتين، أم أن لديه رؤية واضحة ومحددة وحاسمة للربط الديالكتيكي بينهما؟ وما أثر ودور الأشقاء العرب عمومًا وكل من مصر والأردن والسعودية خصوصًا للمساهمة في ترميم الجسور بين كل من حركتي فتح وحماس، وإنهاء حالة الانقسام؟

من المؤكد أن الضرورة تملي على كل مدافع عن الوحدة والمشروع الوطني رفض الفصل الميكانيكي بين الانتخابات والمصالحة، والعمل لتكون الانتخابات جزءاً أصيلًا لتوحيد البيت الفلسطيني، ونبذ الانقسام مهما كان مستواه وشكله، ورفض الاستئثار بالواقع البائس لتعميق حالة التمزق القائمة، والعمل على تعزيز عملية الشراكة السياسية بما يخدم المصالح الوطنية العليا أولًا من خلال توسيع وتطوير الحوار، الذي تم خلال الفترة المنصرمة منذ تموز/ يوليو 2020؛ ثانيًا ضرورة أن يشكل الاجتماع القادم في القاهرة بعد أيام قليلة للقوى السياسية الفلسطينية مدخلا حقيقيا لترسيخ القواسم المشتركة وفق الاتفاقات المبرمة بين حركتي فتح وحماس والكل السياسي؛ ثالثًا ممارسة الدول العربية والإسلامية ذات الصلة بالقوى السياسية المختلفة دورًا هامًا في الإسهام بطي صفحة الانقلاب، العمل على تنفيذ الآليات المحددة في الاتفاقات السابقة في أرض الواقع، بحيث تتلازم الانتخابات مع المصالحة.

أما بشأن القوائم وما يمكن أن تكون عليه خلال الأسابيع القليلة القادمة، فمن الأفضل الابتعاد كليا عن فكرة القائمة الواحدة، لأكثر من اعتبار، أولًا هناك تباين كبير بين الحركتين الأساسيتين فتح وحماس في العديد من الملفات؛ ثانيًا من الصعوبة بمكان التوافق على كل الملفات بينهما؛ ثالثًا دون أن يعني ذلك رفض إمكانية تشكيل قائمة لفصائل منظمة التحرير؛ رابعًا لوجود قوى ونخب ترفض من حيث المبدأ الانخراط في هكذا قائمة، وبدأت بعضها الإعلان عن نيتها تشكيل قوائمها الخاصة خارج نفوذ الحركتين؛ خامسًا وجود كل فتح وحماس في قائمة واحدة سيبعد قطاعات عديدة من الشعب عن التصويت للقائمة لاعتبارات خاصة وعامة؛ سادسًا لفتح الباب واسعًا أمام نخب جديدة للانخراط في العملية الديمقراطية بغض النظر عن النتائج اللاحقة؛ سابعًا لإغناء الساحة بعملية التنافس الديمقراطي وفقًا لبرامجها؛ ثامنًا لإعطاء مصداقية أعلى للعملية الديمقراطية أمام الذات الفلسطينية والعربية والعالمية.

العرس الديمقراطي في أيار/مايو المقبل، إن قدر له النجاح والتحقق على الأرض سيكون محطة هامة وأساسية ونوعية في مسار التحولات الكيفية في الساحة الفلسطينية، وسيعزز مكانة الشعب والقضية الفلسطينية أمام العالم، ويسقط عملية التشكيك بوحدانية التمثيل الفلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد، أضف إلى أنه سيكون الرد المباشر على المشروع الاستعماري الإسرائيلي، وعلى كل القوى المتربصة بالأهداف الوطنية. لذا على الكل الفلسطيني الانتصار لإنجاح الانتخابات وطي صفحة الانقلاب.