عندما تأسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بعد حرب عام 1948، لم يكن أحد يتوقع أن تستمر هذه الوكالة مدة 72 عامًا وهي تقدم خدماتها الإنسانية للاجئ الفلسطيني. هذا الاستمرار هو دليل على أن المجتمع الدولي لم يتحمل مسؤولياته تجاه تنفيذ قرار الأمم المتحدة 194، الذي ينص على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم التي تم تشريدهم من وطنهم التاريخي في حرب عام ثمانية وأربعين، ولأن المجتمع تقاعس في حل المشكلة من أساسها فإنه اليزوندو يتحمل مسؤولية أزمة الأونروا المالية.

كل من يتابع قضية اللاجئين الفلسطينيين، كان يدرك مع وجود إدارة الرئيس الأميركي ترامب، أننا سنصل إلى هذه اللحظة، التي تقف فيها الأونروا عاجزة تماما حتى عن دفع رواتب 28 ألف موظف يعملون من أجل تقديم خدمات صحية وتعليمية وإغاثية للاجئين في المخيمات الموجودة داخل فلسطين وخارجها. فالرئيس ترامب، وفي إطار مشروعه لتصفية القضية الفلسطينية، كان لا بد أن يعمل مباشرة على تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، باعتبارها جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومن أجل تحقيق هذا الهدف كان لا بد من انهاء الأونروا ودورها، فهي من يذكر العالم أن هناك قضية بقيت 72 عامًا دون حل.

ومنذ أن وصل إلى البيت الأبيض، عام 2017 اتخذ ترامب مجموعة قرارات ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة، ومن بين جملة هذه القرارات، قرار وقف الدعم الأميركي السنوي والبالغ 600 مليون دولار، وعندما تم اعلان هذا القرار لم يخف ترامب أهدافه في انهاء دور الأونروا.

وبعد أكثر من ثلاث سنوات من القرار المشار اليه، لم يستطع المجتمع الدولي تعويض الحصة الأميركية، بالرغم ان بعض الدول زادت من حجم دعمها، لكن ذلك لم يكن كافيًا لابقاء الأونروا قادرة على الصمود بنفس الكفاءة. وفي هذا الشأن فإن مستقبل هذه الوكالة الدولية بات مرهونًا بدرجة كبيرة بموقف الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، وإذا ما كان سيعيد الدعم الأميركي للأونروا كما كان قبل قرار ترامب. ما أعلنه بايدن بأنه سيرمم السياسة الخارجية، ويعود بعلاقات الولايات المتحدة مع العالم إلى سابق عهدها، ولكن علينا ان ننتظر حتى يتسلم رسميًا مقاليد الحكم ونرى بالملموس إعادة الدعم.

أما الأونروا فهي لا تستطيع الانتظار، فهي في وضع خطير وصعب، وعلى باقي الدول، وخاصة الغنية منها أن تبادر لتقديم الدعم، خصوصًا في ظل جائحة الكورونا ومخاطر انتشارها في المخيمات. أن هذا الدعم هو ضرورة، وهو أمر يتعلق بالكيفية التي ينظر فيها العالم تجاه مسؤولياته لتطبيق القانون الدولي، ومدى التزامه بقرارات الشرعية الدولية، وإذا ما كان شريكا أو متورطا بشكل أو بآخر بمخطط ترامب لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.

ويمثل دعم الأونروا، وفي هذا الوقت بالتحديد تحديًا للمجتمع الدولي، وإذا ما كان حريصا بالفعل على ايجاد حل عادل لقضية اللاجئين في إطار تسوية شاملة للصراع في الشرق الأوسط، تسوية تستند للقانون الدولي ومرجعيات عملية السلام. لقد قام الرئيس ترامب بعملية تخريب ممنهجة للعلاقات الدولية التي كانت تسود العالم منذ عقود، وأكثر قضية أصابها التخريب هي القضية الفلسطينية، لذلك فإن عملية ترميم واقع هذه القضية لا يقع على عاتق الشعب الفلسطيني  وحده، ومن ضمن هذا الترميم هو ضمان استمرار الأونروا للقيام بدورها حتى تصبح الفرصة سانحة لايجاد حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.

أن دعم الأونروا هو أحد النماذج إذا ما كان العالم قد تجاوز الترامبية، والأهم هو أن يتحرك فورًا لهذه الوكالة بالدعم اللازم، فالأمر يتعلق بحياة ملايين البشر.