ميساء عمر

كثيرة هي التفاصيل التي تأخذك إلى زمن العراقة والأصالة، حين دخولك منزل المواطن ماهر علي شتيوي في قرية كفر قدوم شرق محافظة قلقيلية، فأحجاره التراثية المبنية بشكل متقن، والقطع والأدوات القديمة التي ازدانت جوانب المنزل بها تعيدك إلى ماض جميل، وتزيدك ارتباطا بإرثك وأرضك.

منذ الصغر كانت هواية ماهر جمع المقتنيات الأثرية والتراثية، وكبر ومعه هوايته، فأصبح يجمع ويحفظ كل ما يقع تحت يديه من قطع أثرية تعود لحقب زمنية مختلفة وثقافات متعددة، وبالتحديد الفلسطينية.

استطاع شتيوي "53 عاما" جلب هذه القطع إلى محور اهتمام الذين شغفوا بالتراث الشعبي والحفاظ عليه، فجعلها نافذة حية يطل عبرها الفرد على الحضارات القديمة وتاريخها وأحداثها، فهو يشارك في كثير من الفعاليات الوطنية والمحلية، ويتحدث فيها عن الموروث الثقافي وأهمية الحفاظ عليه، والمكنونات القديمة للأجداد والآباء وكيفية عملها، كما أنه يقدمها كرموز ثقافية شعبية بالمعارض المحلية لاستحضارها دائما.

يقول شتيوي "أحببت اقتناء النثريات القديمة النادرة والمميزة، ذات الطابع التاريخي مختلفة الأشكال والأنواع، وأملك اليوم ما يقارب 60 قطعة كبيرة وصغيرة، موجودة في منزلي، ويرجع تاريخ معظمها إلى أكثر من قرن".

ويضيف "حصلت على بعض هذه الأدوات وراثة، من جد إلى أب، وأخرى من مخاتير قريتنا، وفي الكثير من الأحيان كنت أجوب المحافظات بحثا عن قطعة معينة أتوق للتعرف عليها، وأحيانا لا أجدها لندرتها وقلة استخدامها والحفاظ عليها، فمعظم الناس أتلفت مقتنياتها القديمة، وهذا شيء غير مقبول بتاتا".

وتابع أن "من غير المقبول ألا تعرف الأجيال أدواتها القديمة وطرق استخدامها".

ولم يقتصر الأمر مع مرور السنوات على كونها هواية يقوم بها شتيوي، حيث غرست تلك المقتنيات في نفسه الانتماء للأرض والوطن، وحب الموروث الشعبي، وأهمية تأريخه والحفاظ عليه، وتعليمه للأبناء.

وبحسب شتيوي فإن الموروث الشعبي عبارة عن "حضارة"، وأن الاهتمام به واجب وطني، لكونه يمثل مرجعية تاريخية للأجيال المقبلة، ومقصدا للباحثين عن مكنونات التراث القديم.

ولهذا السبب شيد شتيوي منزله بألوان ترابية شامية مزركشة قديمة تدلل على الذاكرة الشعبية الفلسطينية الجميلة، التي لا تشيب، وأما داخل منزله فوصفه بمستودع، يحتوي على أنواع مختلفة من التراث الإنساني: كالأدوات الحرفية المهنية، والصخرية والحجرية، وأخرى من الأسلحة القديمة، وأزياء الحروب، والأجهزة الصوتية والمسجلات، وأجهزة المنزل، كالمكواة التي كان يستخدمها الأجداد.

ويؤكد شتيوي أن مقتنياته تحاكي حياة وواقع الفلسطينيين وتراثهم، كما أنها رسالة تعزز الهوية الفلسطينية، أمام المحاولات الإسرائيلية في السطو على التراث الفلسطيني، في خضم الحرب التي تشنها اسرائيل على الهوية الفلسطينية، لانتزاعها ونسبتها لهم.

وعن مجهود شتيوي أو غيره من مقتني الآثار، يرى المؤرخ نمر عدوان من بلدة عزون شرق قلقيلية أن فهم الموروث الثقافي للشعوب يعني فهم النفس والتاريخ.

ويستشهد بذلك قائلا: "ما كان بمقدرونا الكتابة والحساب لو لم يتم تطوير الكتابة والأرقام في بلادنا حاليا، وأيضا كانت ستكون ظروفنا المعيشية صعبة ومختلفة لو لم يتم تطوير الهندسة الزراعية كالفلاحة وتربية الماشية، وفهم هذه الأمور يتحقق من خلال سجلات التراث الثقافي وتعليمها".

ويؤكد أن الاهتمام بالتراث الثقافي واجب على كل فرد بجانب المؤسسات والجهات المختصة، التي تعنى بالثقافة، وفي الحقيقة نرى أن الوزارة تنظم سنويا برامج وفعاليات تدعم الموروث والتراث الشعبي الفلسطيني، ومثال ذلك يوم التراث الفلسطيني والزي الشعبي الفلسطيني، إلى جانب المهرجانات والفعاليات المحلية التي تعزز الهوية الفلسطينية.

ويختم قائلا: "من الجيد أن تتزين منازلنا برائحة الأجداد والآباء الذين أفنوا حياتهم من أجلنا، في زمن البساطة والألفة والمحبة على عكس ما هو اليوم".