من خلال المطالعة السريعة لمفاهيم وتعريفات الأمن القومي المجرد والعام للدول والشعوب والأمم، نلحظ أن المفهوم ومحدداته تطورت بتطور المجتمع البشري ككل، وانتقاله من حقبة لأخرى. لا سيما أن أمن الجماعات البشرية من القبيلة والعشيرة إلى مرحلة القوم وصولاً للدولة بمستويات تطورها المختلفة من عصر النهضة حتى يومنا هذا، كان عنصرًا أساسيًا في حماية الجماعة من التهديدات الداخلية والخارجية، وكان يتركز على العامل العسكري، أو عامل القوة. لكن مع سيرورة التطور البشري لم يعد ممكنا اختزال الأمن بعنصر القوة والجيش وأجهزة الأمن، على أهميتها وأولويتها؛ لأن للأمن القومي أوجهًا عدة، منها: الاجتماعي والاقتصادي، والبيئي والصحي والثقافي التربوي.
وإذا دققنا جيدًا في معاني وأبعاد الأمن القومي، نجد أنه لم يعد يقتصر على حماية حدود الدولة، ولا مياهها الإقليمية وفق قانون البحار، لأن هذا البعد وحده يكون قاصرًا، وكونه مرتبطًا ارتباطًا عضويًا مع الأمن الاجتماعي، ونهوض وتطور المجتمع على الصعد المختلفة، وتكمن أهميته بوحدة النسيج الوطني والثقافي، وإعلاء روح الانتماء للوطن والشعب وفقًا لأحكام العقد الاجتماعي الناظم بين النظام السياسي والمحكومين (الشعب).
كما أن الأمن القومي ليس منفصلاً عن الأمن الإقليمي، والأمن العالمي. ويخطئ من يعتقد أن الأمن القومي يعمل في الفراغ، وغير مرتبط مع دول الإقليم والمنظومة الدولية وفق معايير وقوانين ومواثيق ومعاهدات الشرعية الدولية. وبالتالي سلامة وأمن الدول مرهونان بمعادلات دقيقة ووفق المصالح الخاصة والعامة، بتعبير آخر، ضرورة الأخذ بعين الاعتبار مصالح دول الجوار والإقليم. مع الانتباه الدائم لأطماع الدول الأخرى بحدود وثروات الدولة، واستنادا إلى طبيعة وتاريخ العلاقات الثنائية على مدار الحقب التاريخية المختلفة، هل هي علاقات تعاون أم علاقات صراع؟ هل هناك أطماع، أم حسن جوار؟ وما أثر العلاقات الثنائية أو الجمعية بين دول الإقليم المركزية على بعضها البعض؟ وكيفية تعاطيها مع المصالح القومية لبعضها البعض؟ 
على سبيل المثال، الولايات المتحدة الأميركية خصوصًا، والأقطاب الدولية المركزية في العالم عموما، لا يقتصر أمنها القومي عند حدود الإقليم، إنما بات يشمل العالم كله بما في ذلك البحار والمحيطات. وهذا ما عبرت عنه إدارة بوش الابن بعد تدمير مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 ايلول/ سبتمبر 2001، بذريعة مواجهة "الإرهاب".
دون الاستطراد في الجانب التجريدي والعام، وبالتوقف أمام الواقع الملموس، فإننا نجد، أن الأمن القومي العربي تاريخيًا يتعرض للأخطار من دول الإقليم والأقطاب العالمية الرأسمالية، التي ما زالت مسكونة بالنزعة الاستعمارية التقليدية والحديثة، وبعقدة الحروب الصليبية. فضلاً عن قيمها الرأسمالية المرتكزة على مبدأ "استغلال الإنسان للإنسان"، ولهذا أقامت دولة الاستعمار الإسرائيلية عام 1948 في فلسطين العربية كأداة وظيفية لخدمة البعدين الديني والاقتصادي الاستثماري وضمنا الأمني والثقافي، وانعكاس ذلك على المنظومة الاجتماعية العربية عمومًا، وعلى كل دولة من دولة حقبة "سايكس بيكو". 
وكان من نتائج ذلك، أنها شكلت تهديدًا للأمن القومي العربي عمومًا، والأمن الوطني المصري خصوصا، لأنها الدولة المركزية في الوطن العربي، وكونها العمود الفقري للعرب. وبالتالي بقدر ما تكون مصر قوية، وقادرة على حماية أمنها الوطني، بمقدار ما يمكنها من أن تشكل رافعة للعرب جميعًا. وعليه فإن التطبيع الرسمي العربي من قبل بعض الدول العربية كالإمارات والبحرين ومن سيلحق بهما مع دولة الاستعمار الإسرائيلية بعيدًا عن محددات السياسة الرسمية العربية، المعمدة بمبادرة السلام العربية، وقرارات القمم العربية المتعاقبة، يشكل خرقا فاضحا وكبيرا، وعلى حساب الأمن الوطني المصري، وطبعا على حساب شعب فلسطين، صاحب قضية العرب المركزية. 
لكن بعيدا عن فلسطين وحساباتها، ولو وضعنا أمامنا خارطة القسم الشرقي من الوطن العربي (الآسيوي وبعض الأفريقي) ونظرنا لنتائج التطبيع العربية الخليجية وغيرها، ودققنا النظر، سنلاحظ أن ميناء حيفا سيحل محل قناة السويس، وفتح الموانئ العربية أمام الناقلات الإسرائيلية والأوروبية والعالمية القادمة من إسرائيل. بتعبير آخر، التطبيع الخليجي وغيره سينعكس مباشرة على الأمن الوطني المصري الاقتصادي والاجتماعي، فضلاً عن العبث الإسرائيلي بأمن مصر عبر بوابة الإخوان المسلمين والمجموعات الإرهابية المختلفة في سيناء وكل محافظات مصر، إضافة لتهديدها من البوابة الإثيوبية وعنوانها سد النهضة، والعبث بدول الجوار العربية لها وخاصة من جهة الخاصرة الليبية ... إلخ، لأن مصر العروبة، وبغض النظر عن النظام السياسي الموجود فيها، كانت وما زالت مستهدفة من الغرب عمومًا وأميركا وإسرائيل خصوصا، لأن لديهم قناعة راسخة بمقدار ما يتم إضعاف وتفكيك الدولة المصرية، بمقدار ما يمكن للغرب الرأسمالي وأدواته الصهاينة من السيطرة على شعوب ودول الأمة العربية جميعها ودون استثناء. الأمر الذي يتطلب من القيادة المصرية التنبه للأخطار المحدقة بها، وبأمنها الوطني، والأمن القومي العربي عمومًا. وهو ما يملي على خبراء الأمن الاستراتيجي المصري قراءة التطورات الناجمة عن التطبيع الخطير من زوايا أخرى، أبعد وأشمل من القراءة المتعجلة المأخوذة بحسابات اللحظة السياسية، وبعيدًا عن التحالفات الآنية التكتيكية المشوهة، التي لا يركن لها، أو عليها.