إذا ظن الذين عقدوا اتفاقياتهم للتطبيع مع منظومة الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري العنصري، وبرروها تحت بند قرار السيادة، فعليهم العلم أن للشعب الفلسطيني مبادئ وسيادة على القرار الوطني المرفوع على قواعد تاريخ حضاري مشرف وتجارب كفاحية نضالية إبداعية، كما وجب عليهم العلم أن لحركة تحرره الوطنية كرامة وعزة وشرفًا وكبرياء يكفي لأن يعرف منه كل أهل الأرض بالقدر الذي يشاءون ولا ينضب، ولهذا كان قرار قائد الشعب الفلسطيني التنازل والتخلي عن رئاسة الدورة الحالية للجامعة العربية، لأن اسم فلسطين وقيادتها مقرون بالنجاح في المهمات المصنفة في درجة (الأصعب)، لكنها لا تقبل ولن تقبل أن يكون أشقاء عرب رسميون متنفذون سببا في إفشال مهمتها، والتقليل من مكانة أي موقع تتبوأه، كما لا يمكنها الدخول في صراعات ومناكفات سياسية تشغل قيادتها عن مسارها النضالي الأساس في هذه المرحلة وتحقيق هدفها الرئيس وهو إسقاط صفقة القرن نهائيًا وإلغاء نوايا الاحتلال بضم أراض فلسطينية محتلة منذ (حرب 5 حزيران من العام 1967 )، ومنع التطبيع من التدحرج ككرة الثلج، أما الهدف الاستراتيجي فهو إجلاء الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري الإسرائيلي واستكمال إنجاز الاستقلال بقيام دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية.

لم تكن الجامعة العربية إلا لحماية مصالح الدول العربية مجتمعة أي المصالح العليا للشعوب العربية، أما الحكومات فليس أمامها أي مجال للخروج عن مضمار هذه المصالح، حتى لو أتاح ميثاق الجامعة العربية للدول الأعضاء حرية الحركة والقرار في سياستها الخارجية في نطاق سيادتها، ولكن بشرط عدم المساس بسياسة الجامعة العربية، حيث نصت المادة الرابعة من بروتوكول الاسكندرية على ما يلي: "لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة كما لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أي دولة من دولها" . 

كانت ولا تزال فلسطين في موقع الرئيس دائما في هذا المحفل – الجامعة العربية -  حتى لو لم يكن ممثلها رئيسًا لدورتها، ومثل هذا الحال كان دائمًا في منظمة التعاون الإسلامي وفي منظمات وكيانات دولية أخرى، لكن عندما تعجز الجامعة العربية وجلها دول عربية كبرى من حيث عدد السكان والمساحة وغنية بالموارد وقوية من الناحية العسكرية عن الانتصار لمبادئها  وسياستها، وعندما توجيه ضربات قاضية قوية تودي بالمبادرة العربية إلى غرفة العناية المركزة، هذه المبادرة التي أصبحت – بعد تبنيها من قمة بيروت في العام 2002 جزءًا لا يتجزأ من المرجعيات الدولية والأممية لأسس حل للقضية الفلسطينية، فإن قيادة شعب فلسطين لا تقبل ولن تقبل أن يسجل في كتاب تاريخها التعامل مع واقعة انهيار قيمي وسياسي، وانكسار وخضوع وتبعية لقوى الاستعمار الصهيوني الأميركي الجديد، وكأن الأمر حالة طبيعية، تمامًا مثلما تم تبرير وتمرير قرار التطبيع مع منظومة الاحتلال الذي ابتدأته علنا دولة الامارات ومملكة البحرين، في أشد طعنة للقضية الفلسطينية وللجامعة العربية ذاتها، وللدول العربية التي تعتبر القضية الفلسطينية مقدسة، وفي مركز قضاياها القومية، علاوة على كونها القضية المركزية للشعوب العربية التي لا تحتاج إلى هياكل وقرارات وبيانات ووثائق لإثبات حضانتها للقضية الفلسطينية، ومسؤوليتها التاريخية، وتضحياتها من أجل فلسطين وحماية أقطارها من الغزو الصهيوني الذي بدأ يتسلل من وراء ظهر الأمة  لمحاصرة فلسطين والدول العربية الثابتة على المنهج القومي ابتداء من أبعد نقطة من مشرق الوطن العربي، حيث دول في خليجه العربي "فتحت أبوابها للمستعمر الصهيوني الجديد وسلمته مفاتيح قرارها تحت حجة المصالح، ومكنته من الاستفراد بالشعب الفلسطيني، وهيأت له سبلا نشدها وعمل عليها بقصد تصفية القضية الفلسطينية.

لقد ترأس الرئيس محمود عباس أبو مازن رئيس دولة فلسطين مجموعة الـ70 زائد الصين الشعبية  وتضم 135 دولة كاملة العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة – رغم كون فلسطين دولة عضو مراقب فيها–، ونال الرئيس محمود عباس تقدير واحترام قادة ورؤساء العالم على حسن رئاسته للمجموعة، والأداء الذي قدمه خبراء فلسطين، ما ترك أثرًا طيبًا وعزز مكانة فلسطين في المحافل الدولية، فهل يريد منا الأشقاء التعامل مع كرسي رئاسة اجتماعات مجلس الجامعة فيما نرى بعضهم ينكث تعهداته، وينتهك مواثيق الجامعة، ويعدم الوفاء للمقدسات ميدانيا، وبعضا آخر يقف متفرجًا على انهيار أركانها، فنحن واللامبالاة ضدان، نحمي إنجازاتنا السياسية التي حققها الشعب الفلسطيني بقدرات مناضليه العقلية الدبلوماسية والسياسية الخلاقة، ودفعنا ثمنها في ميادين الكفاح والتضحية دما وعرقا، وسنبقى في قلب وشرايين وأوردة الجامعة العربية لأنها لشعوب امتنا العربية ونحن منها وسنعمل حتى تكون الانعكاس الطبيعي لإرادة الأمة العربية حتى يصير جلوس ممثل أي دولة عربية على كرسي رئاسة دورتها شرفًا يحظى به المتنافسون عمليًا على الانتصار لقضايا الأمة ومركز قضايا فلسطين.