رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية ورئيس دولة فلسطين محمود عباس أبو مازن  منح الشرعية الدولية امتحان الفرصة الأخيرة، فإما أن تنتصر لإرادتها وقراراتها وهيبتها فتنجح في حماية المبادئ والأهداف التي قامت عليها ولأجلها الأمم المتحدة، أو تسقط في امتحان اللحظة الأخيرة، فيسقط معها الأمل بالاستقرار والتعايش والسلام في منطقة حيوية استراتيجية حضارية تعتبر مركز العالم، ما يعني استسلام الشرعية الدولية وخضوعها وتسليمها بهيمنة قوى الاستعمار الجديد المدفوعة بقوة وطاقة الصهيونية العنصرية القائمة على الاحتلال والاستيطان وإنكار ليس حقوق الإنسان وحسب، بل انكار الحقوق السياسية والسيادية والوطنية للشعب الفلسطيني الذي كان ومازال علامة حضارية في المنطقة.

قدم الرئيس أبو مازن في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها للعام 2020 سقفًا زمنيًا للمجتمع الدولي مرفوعًا على ثوابت فلسطينية متوافقة مع روح قرارات الشرعية الدولية، انطلاقًا من إيمانه العميق بالسلام، وانسجاما مع أفكاره ومبادئه الشخصية العاكسة لأفكار ومبادئ الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني، فرئيس السلام، الذي يعتبر اليوم أسطورة النضال الدبلوماسي، والمكافح بيقين وعقلانية وواقعية وبقوة يستمدها من صمود ونضال الشعب الفلسطيني العظيم، لن يتراجع عن منهج نظري وعملي لبلورة وتجسيد السلام كحقيقة مادية، مرتكزًا على إيمان وفخر بالهوية الوطنية الفلسطينية لا تقوى على جرحه أو كسره قوى الأرض مجتمعة، وعلى اطمئنان يتجاوز مرحلة الإيمان بأن استقلال القرار الوطني الفلسطيني، وقدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والتحدي بالفعل على الأرض سيكونا العاملين الأساسين لتحقيق النصر، وارتكازا على أن: "الشعب الفلسطيني موجود على أرض وطنه فلسطين، أرض آبائه وأجداده، منذ أكثر من ستة آلاف سنة، وسوف يواصل البقاء والحياة على هذه الأرض" كما قال أمام ممثلي دول العالم، مجددًا ثقته بهذا الشعب العظيم بأن عدوان منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري (إسرائيل) والخذلان الناتج عن تقاعس المجتمع الدولي إلى جانب "محاولات ومخططات لشطبه وإلغائه" لن تهزم ثقة الشعب الفلسطيني بنفسه وبقدرته على تحقيق أهدافه و"ممارسة حقوقنا التي كفلتها الشرائع الدولية" ولن تدفعه لليأس والتراجع عن تمسكه بالشرعية الدولية التي أباحت قوانينها للشعب الفلسطيني "الحق في مقاومة الاحتلال وفقًا للقانون الدولي" و"انتزاع مكانته الطبيعية بين الأمم" والاستمرار بـ"صناعة الحياة وبناء الأمل تحت راية الوحدة الوطنية والديمقراطية"، فالشعب الفلسطيني كما قال الرئيس لن يركع ولن يستسلم، ولن يحيد عن ثوابته، وسوف ينتصر بإذن الله- رغم الحصار الظالم الذي يستهدف قراره الوطني". وبناء على ما تقدم أعاد الرئيس رسم درب الأمل من جديد أمام المجتمع الدولي، ليؤكد حرص الشعب الفلسطيني وإيمانه بسلام عادل وشامل بعد أكثر من سبعين عامًا على الظلم الذي لحق به، وعجز غير مبرر للشرعية الدولية عن إيجاد حل تضمنه الشرعية الدولية وتحميه يحقق للشعب الفلسطيني "الحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية أسوة بباقي شعوب الأرض". "ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، بالتعاون مع الرباعية الدولية ومجلس الأمن للعمل على "ترتيبات" لعقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات، وبمشاركة الأطراف المعنية كافة، ابتداء من مطلع العام القادم، بهدف الانخراط في عملية سلام حقيقية على أساس القانون الدولي والشرعية الدولية والمرجعيات المحددة، وبما يؤدي إلى إنهاء الاحتلال ونيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله في دولته بعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967، وحل قضايا الوضع النهائي كافة، وعلى رأسها قضية اللاجئين استنادًا للقرار 194".. وذكر الدول الأعضاء بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين عضوا بصفة مراقب منذ العام 2012، حيث أصبحت جزءا لا يتجزأ من خريطة العالم السياسية، بعد أن تم تثبيتها في نظام القانون الدولي وانضمامها إلى معظم اتفاقيات ومعاهدات ومواثيق الأمم المتحدة.

كلمة الرئيس أول أمس كانت رسالة للعالم وللشرعية الدولية بأن "قبول فلسطين الاحتكام للشرعية الدولية رغم الإجحاف والظلم التاريخي الذي لحق بشعبها منذ عام 1917" أي منذ وعد بلفور، وكذلك الاستجابة الإيجابية لقراراتها ليس خضوعًا، فالعالم كله يعرف ويدرك وعليه أن يعلم أن "الشعب الفلسطيني لم ولن يتعايش مع الاحتلال أو يخضع للضغوط والإملاءات، فهو صاحب القضية وعنوانها الوحيد، وأنه لن يكون سلام ولا أمن ولا استقرار ولا تعايش في منطقتنا مع بقاء الاحتلال، ودون الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، باعتبارها أساس الصراع وعنوانه".

ثم حذر من محاولة أقوياء ظالمين لفرض هيمنتهم ومشاريعهم وخططهم قائلاً: "واهم من يظن أنه يستطيع تجاوز هذا الشعب، ومنظمة التحرير الفلسطينية لم تفوض أحدًا للحديث أو التفاوض باسم الشعب الفلسطيني. والطريق الوحيد للسلام الدائم والشامل والعادل في منطقتنا يتمثل بإنهاء الاحتلال وتجسيد استقلال دولة فلسطين على حدود عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية".

تعهد رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية بالبقاء "أوفياء للسلام والعدل والكرامة الإنسانية والوطنية مهما كانت الظروف". وهذا امر طبيعي لدى "شعب حي، مبدع، متحضر، محب للسلام، عاشق للحرية، استطاع- رغم الاحتلال الذي يحاصر مسارات حياته كافة- بناء مجتمع فعال وعصري يحتكم لمنهج الديمقراطية وسيادة القانون، ويحافظ على كينونته وهويته الوطنية رغم كل اختلافات مكوناته السياسية والفكرية". 

سيكون أمام الشرعية الدولية فرصة لتجسيد الاجابة على سؤال الرئيس: "إلى متى سوف تظل القضية الفلسطينية بلا حل عادل تضمنه الشرعية الدولية وتحميه؟ إلى متى سوف يبقى شعبنا الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي وتبقى قضية ملايين اللاجئين الفلسطينيين، بلا حل عادل وفق ما أقرته الأمم المتحدة منذ أكثر من سبعين عامًا؟".. فنحن نعتقد بأن أجل الاجابة ليس مفتوحًا، وإنما محدود ومرهون بعامل الوقت، فقدرة الشعب الفلسطيني على تحمل الضغوط مرتبطة بقدرة الشرعية الدولية على تجسيد إرادتها وتنفيذ قراراتها والانتصار لقضية حرية واستقلال الشعب الفلسطيني  وقضية اللاجئين الفلسطينيين.