منذ فترة وجيزة وقبل اجتماع الثالث من أيلول / سبتمبر الماضي (2020) عاد التداول في ملف الانتخابات كعنوان عاجل وضروري في أوساط القوى والنخب السياسية. مع أن هذا الملف شهد العديد من الرؤى والأفكار والاقتراحات بدءًا من تشكيل المجلس التأسيسي للدولة، والبرلمان، وتحويل المجلس المركزي للمنظمة ليكون عنوانًا للتشريع. لا سيما وأنه في ظل التفويض، الذي منحه له المجلس الوطني، بات أعلى هيئة تشرعية. بيد أنَّ معايير واشتراطات العملية السياسية الداخلية دفعت القيادة لتدوير زوايا استجابة منها لدفع عربة المصالحة للأمام، التي تشكل أحد أهم الروافع لمواجهة التحديات الإسرائيلية الأميركية وأضرابهم في الوطن العربي والإقليم.

وإعادة النظر في كيفية التعامل مع عدد من العناوين والملفات السياسية والكفاحية والإقتصادية والتنظيمية لا ينتقص من دور ومكانة القيادة الشجاعة، لا بل يعطيها مصداقية أمام ذاتها، وأمام القوى الأخرى، وأمام الشعب وأمام العالم. وبالتالي التعامل الإيجابي والمرن مع موضوع الإنتخابات البرلمانية في أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967، يعزز من عوامل الثقة بين المكونات السياسية في الساحة، بغض النظر عن الخلفيات الخاصة والعامة، التي تحكم هذة القوة أو تلك في فهمها لعملية الانتخابات.

وكما يعلم الجميع، أن اجتماع الأمناء العامين تحت قيادة الرئيس عبّاس، شكل خطوة هامة للأمام في التأكيد على وحدة الموقف السياسي، ووحدة القيادة الشرعية الفلسطينية أمام العالم. بيد أن هذة الوحدة احتاجت وتحتاج إلى تجسيد وتكريس عبر صناديق الاقتراع لتجديد الشرعيات، خاصة وأن الانتخابات معطلة منذ عام 2006، والشعب بحاجة ماسة ليجدد دوره من خلال اختيار ممثليه في البرلمان (المجلس التشريعي)، وأيضًا في إجراء انتخابات رئاسية للرد على كل القوى، التي سعت للانتقاص من مكانة ودور الشرعيات الوطنية. أضف إلى أنّ الكثير من القوى العربية والإقيليمية والأممية كانت تعيب على الشعب الفلسطيني انقسامه على نفسه، وتلقي في وجه القيادة قفاز الانتقاص من التمثيل الوطني، رغم وجود الهيئات التمثيلية المتجسدة في الممثل الشرعي والوحيد، منظمة التحرير الفلسطينية.

وللرد الحاسم والجدي على كل القوى المشككة في وحدة الإرادة السياسية والشعبية وجب تفعيل معركة الانتخابات بهدف تعزيز وحدة الصف الوطني، عبر طي صفحة الانقلاب، وتصليب الذات الوطنية، مع تطوير المقاومة الشعبية، وفتح أبواب منظمة التحرير أمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي بحيث تمثل الكل السياسي في المشهد الفلسطيني، كانت ومازالت بحاجة ماسة لإعادة الإعتبار لروح الشراكة السياسية، وتفعيل مؤسسات التشريع، وإعادة نظر في كل القوانين والمراسيم، التي تم تبنيها خلال العقد ونصف الماضية من المهام الضرورية والعاجلة.

ولتكن معركة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مع العدو الصهيو أميركي، واحدة من التحديات الهامة والأساسية في هذة اللحظة السياسية، وخاصة فتح معركة القدس العاصمة الفلسطينية الأبدية، التي تحاول حكومة الفاسد نتنياهو الحؤول دون إجرائها فيها، والمضي قدمًا في خيار الضم لها. ولتفتح أبواب المعركة على مصاريعها وفي كل المناحي وأمام العالم اجمع، وتحميله مسؤولية إجرائها في العاصمة الفلسطينية.

وأي كانت العقبات والعراقيل، فإنّ الحاجة الوطنية تملي على الهيئات القيادية في المنظمة والسلطة الوطنية ابتداع الأساليب والطرق المؤاتية لإجرائها وعلى أساس القائمة النسبية. ولعل لقاء أمس الثلاثاء الموافق ٢٢-٩-٢٠٢٠ بين وفدي حركتي فتح (جبريل الرجوب، روحي فتوح) وحماس ( إسماعيل هنية وصالح العاروري) في تركيا لمناقشة الملفات المختلفة: وخاصة المصالحة والانتخابات والمقاومة الشعبية ومنظمة التحرير يشكل إسهامًا إيجابيًا في تقريب المسافات بين الحركتين، رغم الفواصل الكبيرة الموجودة.

مع ذلك هناك العديد من الأسئلة تطرح نفسها على حركة "فتح"، وفصائل منظمة التحرير، هل لديها الجاهزية الكاملة لخوض المعركة؟ وهل كل منها لديه القدرة والاستعداد الذاتي لخوض الإنتخابات البرلمانية والرئاسية؟ هل شرعت وخاصة حركة "فتح" في ترتيب شؤون بيتها الداخلي، وبدأت لجنة داخلية بإعداد قوائم المرشحين من بين قياداتها وأعضائها، ومن بين فصائل العمل الوطني؟ وهل وضعت تصورًا واضحًا لإمكانية تقديم لائحة كاملة تضم كافة القوى المشاركة، في حال قبلت حركتي حماس والجهاد، أم انها ممكن أن تواجه تحديًا من الداخل الفتحاوي والوطني، كما حصل في انتخابات 2006؟ وفي حال أصرت القوى المنافسة على النزول بقوائم خاصة، هل وضعت السيناريوهات المختلفة لمواجهة التحديات الداخلية والفصائلية؟ وحول اليات إجراء الإنتخابات وتمثيل القوى والمدن المختلفة، هل وضعت نصب عينيها الكيفية، التي ستجري بها الانتخابات؟ وما هي عناوين آلياتها؟ هل عبر البوابة الإلكترونية، أم عبر الاقتراع المباشر، أم عبر الشكلين؟ وهل هناك آليات أخرى لإجراء الإنتخابات؟ وما هو انعكاس رفض حكومة إسرائيل لإجراء الإنتخابات في العاصمة القدس سياسيًا وإداريًا؟ وهل هناك خلية أزمة أو خلايا أزمة متعددة المستويات؟

أسئلة كثيرة ذات صلة بالانتخابات مثارة، ومطروحة على طاولة كل القوى وخاصة حركة "فتح"، وعلى كل قوة سياسية أن تقدم رؤاها، واقتراحاتها ومعاييرها لكيفية إجراء الانتخابات، وتمثيل واسع لكل القوى والنخب السياسية المستقلة. بالنتيجة على الجميع الاستعداد لمعركة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، وهي من المعارك الأكثر سخونة في المرحلة الحالية، وإما أن ننجح، وإما أن ننجح، ويفترض أن ننجح.