نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، يقضي أيامه الأخيرة، يواجه مأزقًا خانقًا، فهذا الرجل الذي ذاع وصفه في إسرائيل نفسها بأنه الكاذب الأكبر لا يجد اليوم مهربًا يهرب إليه. فقد تفجرت في وجهه كل الحقائق، حتى الأكاذيب التي كان يرددها بأن التحريض والتهديد بالقتل والمظاهرات الصاخبة ضده في تل أبيب يقوم بها اليسار.

جاء اليمين الديني حليف نتنياهو ليقول أنه إذا ذهب نتنياهو إلى انتخابات مبكرة فهذا اليمين الديني لن يصوت لصالحه، لاحظوا أن التعابيير نفسها كان يستخدمها دونالد ترامب الرئيس الأميركي وسرعان ما انكشفت الأكذوبة، وظهرت الحقائق الرئيسية لتغلق طريق الهروب.

وطبعا نتنياهو أعلن أكثر من مرة أنه سينفذ خطة الضم في الأول من تموز الماضي، وها نحن نتقدم في شهر آب ونتنياهو يراوح في نفس المكان، لأن خطة الضم الإسرائيلية وصفقة القرن الأميركية أكذوبتان بنفس المعنى ومن نفس المصدر، أساسهما خداع النفس، فدونالد ترامب كان يدعي أنه سيأتي بما لم يأت به الأوائل، فاستهان بالحقيقة الفلسطينية إلى درجة الخرف، وترك لحلفائه اليهود في إدارته العاجزة أن يصيغوا صفقة القرن على هواهم، فظهرت الصفقة من بدايتها غبية جدًا، وترك على عقليات متعفنة مصابة بتعفن التعصب، وأفكار القوة الخرقاء، فولدت صفقة القرن ميتة منذ اللحظة الأولى التي واجهتها القيادة الشرعية الفلسطينية متحدة بشكل خارق مع شعبها بالرفض المطلق.

 ولو أن دونالد ترامب له عقل يفكر به وليس عقلاً محشوًا بالأوهام، ففحص الرفض الفلسطيني بموضوعية، لأعفى نفسه من هذه اللحظات المأزومة التي تدفع به بسرعة مجنونة إلى السقوط، ولكنا– كما يقول المثال– سلم رقبته لمستشاريه الصبية المضحكين مثل جاريد كوشنير، وديفيد ليبرمان، وغيسون غرينبلات الذين لا يريدون أن يفعلوا شيئًا سوى إعلان انتمائهم بأنهم صهاينة أكثر من الصهاينة، فجاءت صياغتهم وممارساتهم تدل عليهم. أما رئيسهم الذي توقع منهم السحر وهو ترامب فقد عجز عقله القاصر أن يحدد انفضاح قصورهم وخيبة صياغتهم.

الحليفان نتنياهو وترامب وصلا إلى حد أنه لا أحد منهما قادر الآن على مساعدة الآخر لأن كلا منهما عاجز عن مساعدة نفسه، والقضية الفلسطينية أكبر ألف مرة من مداركهما، وفي قضايا كبرى من هذا النوع لا تجدي الإدعاءات.

نتنياهو، عالق مع كوفيد- 19، وإسرائيل تغرق في الوباء ولا مخرج قريبًا، سوى أن إسرائيل تحاول أن تنشر العدوى بين الفلسطينيين بطرق عديدة بينها عقوبة السجون، وموجات الاعتقال السريعة، وفتح ممرات للعدوى، وحقن المستوطنيين بالمزيد من الجنون العنصري.

أما الرجل الكبير من وجهة نظر نتنياهو وهو دونالد ترامب، فلقد عاد ووافق على كل ما كان يرفضه، وحملته الآن مركزة على أن كوفيد- 19 منتشر، في أميركا بسبب أنها أكثر دولة تجري الفحوصات، يعني حتى لو كانت الإصابات كثيرة وخطيرة، فإن الفحص هو الذي يظهرها، وهو يعتقد أنه لا داعي للفحوصات ولا داعي لإعلان النتائج، رجل بهذه الكيفية كيف يساعد نتنياهو الذي هو أكذب منه؟

الرفض الفلسطيني عميق جدًا، ولذلك فقد أصبح جزءًا من الثوابت العالمية، إنه جزء من القانون الدولي والشرعية الدولية والنظام الدولي، فإذا أضيفت إليه الخبرة العالية، وفن البقاء المذهل الذي يتمتع به الفلسطينيون فمعنى ذلك أن الهجوم المكثف الذي تمارسه الإدارة الأميركية وإسرائيل ضد القيادة الفلسطينية يعطي إشارة واضحة شرحها بيت الشعر العربي القديم:

 وإذا أتتك مذمتي من ناقص    فهي الشهادة لي بأني كامل