نكبة حلت بشعب وبلد منكوب أصلاً، كل إنسان شاهد الكارثة بأبعادها الإنسانية والبيئية، وما سينجم عنها من تداعيات اقتصادية واجتماعية، نزف قلبه دمًا، خصوصًا أن في كل واحد منا شيئًا من بيروت، عاصمة التنوير العربي على امتداد عقود. أن ما جرى هو صدمة كبيرة، إنه تسونامي حقيقي دمر بيروت، وتركها خرابة، لا يمكن لأي عربي لديه بقايا ضمير إلا وهزه ما جرى، إلا وشعر في داخله بالهزيمة الكبرى، بالانحطاط الذي وصلنا له كعرب.

لا أريد أن أغرق في التفسيرات والتحليلات، لأن كلها نتيجة لمسار هزيمة طويل عمره قرون من الزمن، وتوج عندما سمح العرب للاستعمار بتمزيقهم، وقبلوا به وتعايشوا معه بل وعمقوا منه بسخافات وادعاءات السيادة الوطنية الكاذبة. عندما كانوا يسمحون للقاصي والداني بانتهاك سيادتهم اما الشقيق فهو ممنوع أن يعتب حدودهم التي رسمها الاستعمار لهم. توج عندما قبل العرب بضياع فلسطين، وقبول الكيان الصهيوني قي قلب بلادهم، كارثة بيروت هي نتيجة لمسار الهزيمة الطويل وتداعياته على عقولنا وتفكيرنا، الذي أصبح يبرر الهزيمة.

لا نستبعد نحن الذين حوصرنا في بيروت عام 1982 يد إسرائيل في هذه الكارثة، فهي لذلك وجدت لتدمر الأمة وتدمر أي احتمال لنهضتها. المحزن، وبعيدا عن التفسيرات، ان الشعب اللبناني يواصل تبادل الاتهامات والتراشق بينما لبنان تجري تصفية وجوده العربي والحضاري. الشعب اللبناني ليس شعبًا شقيقًا فحسب هو نحن، لأنني لا أرى أي فارق بيني وبينه، أشعر بألمه وأشعر بفرحه وأنا متحمس ربما أكثر منه أن يكون سيد أرضه وموارده حرًا مستقلاً، لأنني أنا الفلسطيني أريد أن أكون حرًا سيد أرضي ومواردي، بعيدًا عن أي احتلال وهيمنة.

لقد هزتنا كارثة بيروت، ولكن هل ستتحول الهزة الى صحوة، كم نكبة وكارثة نحتاج كي تصحو الامة، كم من الدماء والخراب يجب أن يدمي قلوبنا كي نصحو، بعد خراب القدس وبغداد ودمشق وصنعاء وطرابلس وبيروت. لن نستطيع نفض مسار الهزيمة مرة واحدة، ولكن أن نحاول معًا أن نحد من اندفاعه المجنون والمتغطرس. ليس الذنب هو ذنب أعدائنا الكثر، ولكن الذنب معظمه ذنبنا، فنحن نمعن في تجزئة أنفسنا ونهدر ثرواتنا وطاقاتنا، ألم ندرك بعد أننا أدوات هدم أنفسنا لمصلحة القاصي والداني وفي مقدمتهم إسرائيل؟... يا عرب كفى كفى.