تقرير: الحارث الحصني

تبدأ الخطوة الأولى في هذه الرحلة من خيمة لعائلة في منطقة الفارسية بالأغوار الشمالية، تستمر لها حسب برنامج معد مسبقا، حتى تاريخ السابع عشر من الشهر المقبل.

فعلى سفح ربوة في منطقة الفارسية بالأغوار الشمالية، يغلق أشرف منصور دراغمة (بشكل مؤقت) كتاب التربية الإسلامية، توطئة للذهاب إلى مدرسة عين البيضاء، للالتحاق في الامتحان الثانوية العامة لهذه السنة 2020، في الفرع العلمي.

كانت الشمس لم تشرق بشكل يشي بضجيج الحياة في المنطقة، عدا عن أصوات بعض الفتية وهم يلاحقون قطعان مواشيهم، لكن دراغمة كان مستيقظا منذ الساعة الرابعة فجرا لمراجعة ما حفظه بشكل سريع استعدادا للامتحان المقرر تقديمه.

صباحا، توجه 78400 طالب لأداء امتحان الثانوية العامة، ضمن إجراءات احترازية ووقائية.

ذاته أشرف، شوهد في ساحة المدرسة التي يتوقع أن يؤدي بها جميع المقررات الدراسية، وهو يرتدي الكمامة، والقفازات، كما شوهدت اللجنة الصحية وهي تجري فحصا لدرجة الحرارة للطلبة المتقدمين.

بعدما أكمل دراغمة استعداداته بشكل كامل، رافقه والده إلى المدرسة، فالاثنان يجمعان على شيء واحد وهو النجاح.

قال الطالب: "رغم كل الظروف التي نمر بها لكنني سأنجح".

يكرر والده الكلام ذاته.

لكن ليست الحياة في الأغوار الشمالية بذلك الاستقرار الذي يوفر للطالب بيئة مثالية للدراسة.

جاهدا سعى منصور دراغمة، وهو والد الطالب، لتوفير ما أمكن توفيره من بيئة مناسبة لنجله؛ بهدف الدراسة، لكن رغم كل المحاولات التي بذلتها العائلة في ذلك، إلا أنه حسب اعتقادهم كان ينقصهم الكثير.

فالمنطقة الملتهبة أساسا، لا شبكة كهرباء فيها، تساعد في تلطيف الجو، لخلق بيئة مساعدة للدراسة. وقال الوالد: "في الليل لا نستطيع إشعال المصباح طويلا".

خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، سادت أجواء حارقة في الأغوار الشمالية، بسبب مرتفع جوي على المنطقة استمر لأيام، كانت الدراسة اليومية للطالب دراغمة وقتها قليلة جدا. قائلا: "كنت أدرس فقط ليلا مدة ساعتين لا أكثر، وفي النهار لا دراسة".

لكن الطالب، كان يتغلب بشكل بسيط على ذلك، عندما قال إنه كان يجلس على قمة تلة صغيرة قرب خيامه ليستفيد من التيارات الهوائية المستمرة في أوقات الصباح الباكر، وقبيل مغيب الشمس.

في وقت مبكر من صباح اليوم، جلس أشرف على قمة التلة، وقال من بعيد: هنا الجو هادئا، لا ضجيج في المكان، لكن عندما ترتفع الشمس قليلا تصبح الحرارة مرتفعة فلا يطاق الدراسة في هذا الجو.

في الأيام العادية كان دراغمة يدرس يوميا ثماني ساعات متفرقة حسب برنامج مسبق. قال: "كنت احتاج ثلاثة أو أربعة أيام للمادة حتى أكملها".

بالنسبة لدراغمة وهو من سليل عائلة تهتم بتربية الماشية، رغم كل هذا، فإنه يبحث عن النجاح في الثانوية العامة.

يقول والده: "متوقع أن يحصل على معدل عال". ذاته الطالب يؤكد ذلك.

كان الجو هادئا صباح اليوم، يتخلله نسمات الهواء خافتة، عندما كان دراغمة مستظلا في ظل عريش متوسط الحجم، أعدته العائلة له للدراسة فيه، وهو يذاكر ما درسه سريعا قبل التوجه إلى قاعة الامتحان، بعدما شعر بحرارة الشمس في المحيط.

جالسا على كرسي له خلف طاولة صغيرة، قال الطالب، "من هنا تبدأ رحلة البحث عن النجاح". فالشاب الطموح يرى أن الثانوية العامة هي الخطوة المفصلية في تحقيق النجاح المنتظر.

هذه الأيام يجمع أرباب عائلات في الأغوار الشمالية، وأبناؤهم على أهمية التعليم، ويعتبرون ذلك سلاحهم القوي.

قبيل بدء الوقت الفعلي للامتحان، شوهد الطالب وهو يرتدي كمامة، وقفازات، ضمن إجراءات السلامة التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم، للحيلولة من تفشي فيروس "كورونا".

سريعا اقترب موعد تقديم الامتحان.

فعند التاسعة إلا دقائق، قدم مدير القاعات في المدرسة، ومرشد تربوي، نصائح بخصوص الامتحانات بشكل عام، قبل الدخول إلى القاعات، وقال أشرف: "سأدخل لأجلب النجاح".

في العائلة التي تسكن منذ أكثر من 20 عاما في الفارسية، يسود شعور بالايجابية حيال رحلة نجلهم في البحث نجاح يمثل العائلة.