اعداد: فاطمة المجذوب
مع اتّساع وتيرة انتشار فيروس "كورونا" في لبنان، وسط تسارعٍ في التطورات المتعلّقة به، جاء إعلان التعبئة العامة من الدولة اللبنانية. ولأنَّ مخيّماتنا وتجمُّعاتنا الفلسطينية جزءٌ لا يتجزّأ من المجتمع اللبناني والعالمي المعرَّض للفيروس، وضعت قيادتنا الفلسطينية في لبنان بالتعاون والتنسيق مع سفارة دولة فلسطين واللجان الشعبية والصحية والجهات المعنية خطّة عملٍ لمكافحة الوباء فيها. وللحديث عن آخر مستجدّات فيروس "كورونا" وتفاصيل التدابير الاحترازية التي شملت مجتمعنا الفلسطيني كان لنا هذا الحوار مع أمين سر حركة "فتح" وفصائل "م.ت.ف" في لبنان اللواء فتحي أبو العردات.


ما هي الإجراءات التي اتّخذتها قيادة "م.ت.ف" في لبنان لوقاية مخيّماتنا من انتشار فيروس "كورونا"؟
 منذ البداية أدركنا مخاطر هذا الوباء الذي حصد الآلاف من الأرواح، لذا عملنا على إعداد خطّة لمواجهته تقي مخيّماتنا منه، وذلك بالتعاون مع وكالة "الأونروا"، لأنَّ "الأونروا" هي المعنية بالوضع الصحي لشعبنا في لبنان. ووسّعنا دائرة العمل هذه لتشمل كل المؤسسات الإقليمية والمحلية والدولية التي تعمل في المخيّمات، وتُوِّجَت هذه المساعي بلقاء مع معالي وزير الصحة اللبناني د.حمد حسن، حيثُ توجّهنا على رأس وفدٍ ضمَّ الفصائل والمؤسسات الصحية الفلسطينية، ومن بينها جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ومؤسّسة الضمان الصحي وجمعيّة الشفاء وغيرها.
 من المؤكّد أنَّ مواجهة هذه الجائحة تتطلّب بالدرجة الأولى الوقاية والحجر الصحي، وهذه وحدها تُشكِّل 90% من آلية مكافحة الفيروس ومنع انتشاره. فبالنسبة للوقاية، اتُّخِذَت عدّة إجراءات تتعلّق بالتعقيم داخل المخيّمات وذلك بتعاونٍ ما بين منظمة التحرير الفلسطينية وسفارة دولة فلسطين في لبنان و"الأونروا" والفصائل الفلسطينية والهلال الأحمر الفلسطيني والعديد من المؤسّسات، فجرى تأمين مواد التعقيم ورش المخيّمات، بالإضافة إلى أجهزة قياس درجة الحرارة التي زُوِّدَت بها حواجز قوات "الأمن الوطني الفلسطيني" عند مداخل المخيّمات من الشمال إلى الجنوب. ولكن بالطبع في ظلِّ الظروف الراهنة نواجه صعوبةً في توفير هذه المستلزمات، لا سيّما جهاز قياس الحرارة، فنحنُ بحاجة للعديد من الأجهزة ونعمل على تأمينها. وبالتوازي مع ذلك، تُنفَّذ حملات توعية وإرشاد بالتعاون ما بين اللجان الشعبية والفصائل الفلسطينية وسفارة دولة فلسطين.
وبالتالي هناك تعاون ووحدة وتكامل فلسطيني في مواجهة هذا الخطر والفيروس القاتل، وهذه الوحدة التكاملية اليوم هي مصدر قوة تثبّت النظام وتحمي أبناء شعبنا وتمنع انتشار الوباء، والحمد والشكر لله نحنُ اليوم لا توجد لدينا أي إصابة داخل المخيّمات، وإنّما اشتُبِهَ ببضع الحالات التي أُرسِلَت وفق الآلية المتّفق عليها في لبنان بالتعاون بين الصليب الأحمر اللبناني المجهّز لنقل هذه الإصابات والهلال الأحمر الفلسطيني ونتائجها كانت سلبية.
وخلال الاجتماع في سفارة دولة فلسطين بحضور المدير العام للـ"أونروا" في لبنان كلاوديو كوردوني وسعادة سفير دولة فلسطين أشرف دبور وممثِّلين عن الفصائل الفلسطينية وهيئات الصحة شُكِّلت لجنة عُليا من كلِّ المؤسسات الصحية كأطباء بلا حدود والصليب الأحمر اللبناني واليونيسيف والصليب الأحمر الدولي والمؤسسات الصحية الفلسطينية واللبنانية والإقليمية العاملة داخل المخيّمات، وهي تجتمع بشكل دائم لتُقدّر الموقف وتضع الحلول والاقتراحات من أجل الوقاية والعلاج.
كيف تحرصون على تطبيق الإجراءات في المخيّمات وتطويق الخروقات إن وُجِدَت؟
بدايةً لا بدّ أن نتحدّث عن واقع المخيّمات. إذ لا يخفى على أحدٍ أنَّ منازل الفلسطينيين في المخيّمات ليست كالمنازل والشقق خارجها من حيث المساحة، وفي الوقت نفسه فإنَّ مخيّماتنا تخلو من أماكن الترفيه والترويح عن النفس، وتعاني الاكتظاظ، فمخيّم عين الحلوة على سبيل المثال يعيش فيه نحو سبعين ألف نسمة ومساحته لا تتعدّى 1 كلم2.
ومن هنا، وضعنا آلية تضمن عدم تنقّل الأهالي داخل المخيّم وبين المخيّم وخارجه إلّا في الحالات الضرورية، وهناك تعاون من لجان الأحياء واللجان الشعبية والناس وهذا التعاون يبشّر بالتفاؤل، وباستثناء بعض الثغرات التي تمّ سدها، وجدنا أنَّ تجاوب أبناء شعبنا والتزامهم بالإرشادات كان على درجة عالية، وهذا الأمر مُطمئِن ويدلُّ على أنَّ شعبنا الفلسطيني شعبٌ واعٍ ويتمتّع بحسٍّ عالٍ من المسؤولية، ورغم ظروفه الصعبة فهو شعب جبّار كما قال عنه الرئيس الشهيد أبو عمّار.
برأيك إلى أيّ مدى تُشكِّل الإجراءات المُتَّخَذَة في المخيّمات امتدادًا لإجراءات الدولة اللبنانية وتأكيدًا على أنَّ مخيّماتنا هي تحت السيادة اللبنانية؟
التنسيق والتعاون قائمٌ بيننا وبين الدولة اللبنانية على المستويات الرسمية والحزبية والأمنية كافّةً منذُ فترة طويلة، ونحن اليوم موجودون في بلد نحترمه ونحترم ما يصدر عن حكومته ودولته من إرشادات وقرارات، ونلتزم بها داخل المخيّمات حفاظًا عليها وعلى القاطنين فيها والجوار اللبناني. وفي ظلّ هذه الظروف الحرجة تبرز الحاجة لرفع وتيرة التعاون والتكامل، إذ لا تستطيع أيّ جهة ادّعاء أنّ بإمكانها مواجهة الوباء وحدها، بل هذا يستدعي تعاون جميع المواطنين والمقيمين على الأراضي اللبناني بمن فيهم أبناء شعبنا الفلسطيني، فجميعنا في مركب واحد وبالتعاون نتجنّب الكوارث ونصل إلى بر الأمان إن شاء الله.
بالتأكيد نحن راضون عن التعاون القائم، ولكنّنا نفتقر إلى الإمكانيات من معدّات وأجهزة وآلات، وخلال لقائنا مع معالي وزير الصحة اللبناني أخبرناه أنّه من الممكن أن تأتي هِبات وتبرُّعات من الجاليات الفلسطينية والدول الصديقة وطلبنا دخولها إلى لبنان دون فرض ضرائب عليها، فوافق على الفور.
في حالة إصابة أحد أبناء شعبنا ما هي الاستعدادات المتّخَذَة لعزل الحالة؟ وعلى مَن تقع كلفة الاستشفاء؟
هذا الأمر على رأس أولويّاتنا، والعمل جارٍ على قدم وساق لتوفير مراكز تتوافق مع شروط العزل قريبة من المخيّمات في حال وقعت إصابات لدى شعبنا لا قدّر الله. فـ"الأونروا" تكفَّلت بتجهيز معهد سبلين حاليًّا ليكون قِسمٌ منه مخصّصًا للحجر الصحي لكونه يقع على علو ويبعد عن الأبنية السكنية، واقترحت استخدام المدارس للحجر ولكن المدارس لا تصلح في هذا الوقت.
ومن جهتنا، قدّمنا مستشفى في مخيّم البص وهو يتّسع لما بين أربعين وستين سريرًا ويقع على طرف المخيّم، ولكنّه بحاجة للتجهيز من معدّات وأطباء وممرّضين وعمّال، واللجنة التي شُكِّلت تدرس إمكانية تزويد المراكز بالمعدّات اللازمة، وطلبنا إلى المؤسسات التي نجتمع معها توفير المبالغ المالية، وبدورها "الأونروا" تعمل من خلال موازنة طارئة طلبتها نأمل أن تصل خلال الأيام المقبلة، لمعالجة هذا الموضوع، ومعالجة تأزُّم الوضع الاقتصادي للناس، لا سيّما أنَّ لبنان أعلن التعبئة العامة ومعظم العمّال الفلسطينيين يعملون بشكل يومي ليعيشوا، والملتزم بالحجر أيضًا بحاجة لأن تشمله المساعدات ليعيش هو وأولاده.
وفي مخيّم عين الحلوة هناك مركز على طرف المخيّم من طبقتَين لمؤسسة الأقصى لكلِّ غرفة منه حمامها الخاص وشرفتها الخاصة، وهذا من شروط الحجر الصحي، كما تواصلنا مع الإخوة في طرابلس لتجهيز مكان أيضًا للحجر بالاتفاق مع "الأونروا"، وبذلك تصبح لدينا ثلاثة مراكز في الشمال والوسط والجنوب.
أمّا بالنسبة لتكاليف العلاج فهناك جهتان تقع عليهما المسؤولية، وهما: الدولة اللبنانية -بما فيها وزارة الصحة، ووكالة "الأونروا"، وبالتواصل مع الوكالة وافقت على ذلك، وبدوره أبلغنا وزير الصحة أنّ جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية بمن فيهم أبناء شعبنا الفلسطيني مشمولون بالعلاج الكامل من وباء "كورونا"، وهذا الأمر منحنا الراحة، نظرًا لكون العلاج ضروريًّا ولكلفته الباهظة، وبالتالي أصبح موفّرًا عبر وزارة الصحة و"الأونروا".
وفيما يتعلّق بالقضايا الأخرى التي نتابعها نريد للموضوع أن يسير بخطّين متلازمين هما خط العلاج والطبابة والوقاية من جهة، وتأمين مساعدات غذائية لأهلنا في المخيّمات من جهة ثانية، فهذا الموضوع يجب أن يسير بخطّين متلازمين، و"الأونروا" مسؤولة في هذا الموضوع ونحن في منظّمة التحرير مسؤولون أيضًا.
هل تترك لديكم هذه المرحلة الحرجة أيّة مخاوف وهواجس؟
 يجب أن نكون متفائلين دائمًا، ولكن في الوقت نفسه أن نشعر بالحذر والخطر، فهذا يدفعنا إلى زيادة الجهد في توحيد الموقف ورفع الصوت لتأمين الاحتياجات الأساسية لأهلنا في لبنان من خلال "الأونروا" ومنظمة التحرير، ومؤسسات المجتمع الدولي، وهناك عشرات المؤسسات في الوسط الفلسطيني هي أيضًا تقع عليها المسؤولية اليوم، وهي تجتمع، بانتظار ما تستطيع أن تقدّمه في هذا المجال، بالإضافة إلى ما نقدّمه نحن في منظمة التحرير، فهذا الشعب هو أهلنا وإخوتنا وأبناؤنا ونحن معنيون به وبسلامته الصحية وبتأمين كل ما تتطلّبه مواجهة هذه المرحلة الخطيرة والخروج منها بخير بأقلّ خسائر ممكنة.
بالطبع هناك هواجس ومخاوف في داخلنا جميعًا ولا أحد محمي من هذا الوباء، ولكنّه لا يثير فينا الهلع، فنحن لدينا إيمان وإرادة، وبالإيمان والإرادة والصمود وتأمين احتياجات الناس والتكاتف الدولي والمحلي والإنساني والأخلاقي نستطيع أن نحمي مجتمعنا الفلسطيني.
حدَّثتَنا عن بعض ما تمّ التوافق عليه خلال اللقاء مع وزير الصحة، هل لك أن تخبرنا أكثر عمّا أثمره هذا اللقاء بخاصّة فيما يتعلّق بمخيّماتنا؟
بدايةً سجّلت الدولة اللبنانية ووزير الصحة ارتياحهم للإجراءات التي اتُّخِذَت في المخيّم، واعتبرتها الجهات اللبنانية إجراءات جيّدة ومقبولة، وكان ارتياحهم الأكبر لجهة آلية التنفيذ من قِبل المخيّمات للتعليمات بحذافيرها، وللتعاون القائم بيننا وبينهم، بالإضافة لعدم وجدد إصابات وهذا ما يخفّف العبء عنهم وعّنا، ولكن بالطبع نحنُ قلقون من ناحية الإمكانيات والمعدّات لاسيما أجهزة التنفس، فحتّى لو تم تأمين ثمنها سيكون من الصعب الحصول عليها، لأنَّ هذا المرض انتشر في كلّ العالم والجميع تهافت على شراء المعدّات، وعامل الوقت مهم جدًا.
وخلال اجتماعنا مع وزير الصحة اللبناني طرحنا قضية اللجنة المركزية التي شكّلناها لتُنظّم وتضع آليات للعمل، وتوافقنا معه على أن يكلّف أحد الإخوة من وزارة الصحة اللبنانية للتعاون مع اللجنة وحضور اجتماعاتها، ليكون التفاعل قائمًا بيننا وبين أشقائنا اللبنانيين على المستوى الرسمي والحزبي والشعبي. واليوم اكتملت هذه الهيئة الموجودة، وبالتالي تقع عليها المسؤولية، والجهد الفلسطيني الموحّد من خلال سفارة دولة فلسطين وفصائلنا الفلسطينية ممتاز.
دائمًا يحمّل الشعب الجهة السياسية مسؤولية الاهتمام بشؤونه، ولكنَّ الأمور انقلبت اليوم، وبات الحل بيد شعبنا من خلال التزامه المنزل. فما هي الرسالة التي توجهها لأبناء شعبنا لمواجهة فيروس "كورونا"؟
مكافحة هذا الوباء تكمن في الحجر الصحي والنظافة والتطهير والوقاية، وبما تقوم به قوات "الأمن الوطني الفلسطيني" في المخيّمات من تدابير وقائية، وهناك تعاون من قِبَل المؤسسات وبعض الأفراد الذين يتبرّعون بمواد التطهير، كما وفّرت "م.ت.ف" مستلزمات كالبزّة الواقية، ومواد الرش، إضافةً إلى أجهزة فحص درجة الحرارة، التي نسعى لأن نزيد عددها بحيث تكون متوفّرة في كلّ مكان في المخيّمات، وهذا يتطلّب تعاون الجميع.
وبالتالي رسالتنا لأهلنا هي أنَّ كلَّ فرد اليوم مسؤول عن نفسه وعن عائلته وعن محيطه وعليه الالتزام بالإرشادات، لتحقيق المصلحة العامة، وبالطبع بالنسبة للمسؤولية الجماعية فهناك هيئة موجودة هي تتحمّل المسؤولية الكبرى. ولكنّني متفائل دائمًا بأنّه رغم خطورة هذا المرض والوباء فإنَّنا سنخرج إن شاء الله بسلام من هذه الظروف والأوضاع الصعبة بفضل تعاون الجميع فلسطينيين ولبنانيين ومؤسسات دولية و"أونروا" وكل من يحرص على مواجهة هذا الخطر الداهم علينا جميعًا.

 

المصدر