ما الذي جعل دولة فلسطين، تتفوق على دول كبرى في إجراءات محاربة "الكورونا" وهي ليست دولة تحت الاحتلال فحسب، وإنما هي دولة فقيرة الموارد والإمكانيات المادية والاقتصادية أيضا، حتى أنها تنتزع لقمة عيشها انتزاعًا..؟؟ لا بل إن دولة فلسطين لم تتفوق في هذا الإطار فحسب، وإنما سبقت على نحو بليغ دول العالم أجمع- بعد الصين - في إعلان الرئيس أبو مازن حالة الطوارئ، التي سرعان ما أصبحت برنامج عمل يومي  للحكومة، بإجراءات وقرارات لافتة، أكدتها دولة راشدة ومسؤولة، الأمرالذي جعلها مثار إعجاب وتقدير وإشادة من قبل منظمة الصحة العالمية.

حقا ما الذي جعل دولة فلسطين ترتقي إلى هذا المستوى اللافت، في تصديها لفيروس "كورونا" وليس على الصعيد الوطني فقط، وإنما كذلك على الصعيد الدولي الذي ترجمته رسالة الرئيس أبو مازن للأمين العام للأمم المتحدة "انطونيو غوتيرش" والتي دعا الرئيس فيها إلى تفعيل التعاون الدولي، لمجابهة جائحة "الكورونا"، وقد سجلت رسالة الرئيس أبو مازن هذه، سبقًا آخر لدولة فلسطين ما أكد حضورها المسؤول بهذا الشأن العالمي.

ليس هذا السؤال للتباهي، فهذه ليست غاياته، وإنما معرفة الحقيقة، في جوابه الذي يصوغه الواقع بوضوح شديد، وفي هذا الجواب نرى إعلان حالة الطوارئ التي ترجمتها الحكومة، إلى إجراءات عملية، حاسمة ومسؤولة، وحميمة في ذات الوقت، بتقنين التجوال، وتطبيق الحجر المنزلي، وإغلاق دور العبادة، واستجابة المواطنين لهذه الإجراءات على نحو لافت، وهو ما أسفر حتى الآن عن تدني حالات الإصابة بالكورونا في دولة فلسطين المحتلة، والحمد لله، وهذا احد اسباب تفوقها على دول كبرى،في محاربتها لهذا الفيروس اللعين، وسيظل السبب الرئيس يكمن في تجربتها العملية، التي تخلقت وما زالت تتخلق في خضم الصراع مع الاحتلال، ومنذ ان امتلكت قرراها المستقل، وإرادتها الحرة، بعد أن فجرت ثورة المستحيل، عام خمسة وستين من القرن الماضي، وبمعنى ان فلسطين باتت مجبولة على مواجهة المخاطر، والتصدي لها، وباستجابات عالية، للتحديات الكبرى.

ولعلها أعجوبة حقًا، أن تكون دولة فلسطين، الفقيرة والمحتلة، على هذا المستوى من الحضور والفعالية المنتجة، وقد استنفرت كل إمكانياتها وكل أجهزتها ومؤسساتها الخدمية، الطبية والأمنية والإعلامية، لمحاصرة فيروس "كورونا" ومع استجابة المواطنين، حققت فلسطين تفوقها وأكدت حقيقتها كدولة ناهضة، لا تتطلع وهي في خضم الصراع مع المحتل، لغير المستقبل، أن يكون مستقبل العافية لصنّاعه، وحين يكون هومستقبل الحرية والاستقلال.

ومستقبل العافية، وقبل أن يصبح فيروس "كورونا" جائحة كبرى" كان الرئيس أبو مازن يعمل على نحو حثيث،  وبسياسة بالغة الحنو، إن صح التعبير، على تخليق معطياته، بتعزيز وتطوير مختلف مؤسسات القطاع الصحي في فلسطين، ولا شك أن هذا ما جعل رؤية الرئيس أبو مازن استشراقية، في إعلانه لحالة الطوارئ، قبل أيّة دولة في هذا العالم -  ومرة أخرى، بعد الصين التي ظهر فيها الفيروس – وقد استشعر عظم خطر هذا الفيروس، والأزمة التي سيخلفها، وهذا ما يكشف لنا أن الرؤية الاستشراقية، تظل دائمًا هي رؤية القائد المدرك لطبيعة مهامه، وحجمها وضرورة التصدي، لها بأمانة، ومصداقية، وقوة، وحكمة، ومسؤولية، دون مزاودة ولا مباهاة، ولهذا تتبوأ دولة فلسطين اليوم مكانة الصدارة بين دول العالم في محاربتها لفيروس "كورونا" وهذا ما يعزز مسيرتها نحو تحقيق الحرية والاستقلال.