هناك من نظر لخطاب الرئيس أبومازن الأخير في مجلس الأمن نظرة تشاؤم، ورفض مسبق كالعادة، واعتبره خارجًا عن منطق الصمود الفلسطيني لما تضمنه من عبارات سلام إلى حد الرجاء كما تم التعبير في خطابه.

والبعض الآخر اعتبر الخطاب لم يأتِ بجديد من ناحية أنه ظل متمسكًا بالمسار السياسي والدبلوماسي والتفاوضي الأوسلوي الفاشل فلم يغادر هذا المربع مطلقًا.

 والبعض الثالث الرافض للخطاب أيضًا كان يعتقد أن على أبي مازن أن يعلن الحرب فيطلق رصاصاته في سماء الأمم المتحدة من مسدس فارغ فيرهب العالم ويزلزل أصحاب الشعارات الرنانة، وإلى ذلك فلن يصفقوا له، وماكانوا ليتبعوه أيضًا.

في الاتجاه المقابل نجد مديحًا كبيرًا للعقلانية السياسية التي تميز بها الخطاب، كما نجد الدعم لخطوات الرئيس السلمية، في زمن لعق أبعاض الأمة لحذاء الامريكي، وإكبارًا لهذا التوجه العقلاني المفعم بالأمل-المشوب بالحزن- في ظل عالم عربي مجنون، وفي ظل عشرات القرارات الأممية التي وجدت مكانها المتسع في الأدراج.

 وفي ذات الوقت ورغم هدوء الخطاب الى درجة الطلب من المجتمعين بصفتهم في درجة أقل من سدرة المنتهى أن يتدخلوا، وكأنه يعلم أن لا أمل فيهم، فلقد طالبه عدد من الكتاب الكبار (لسان حال رؤسائهم أو دولهم العربية بالواقع) أن له حل له إلا التعامل مع صفقة "ترامب"! وكأن بها ما يمكن التعامل معه!

وما بين الايجابيات والسلبيات سواء في مضمون الخطاب، أو ما بين السطور أو في طريقة إلقائه فإنه تضمن عميق مشاعر من القرف والملل والحنق وكظم الغيظ، بل وكثير من الألم إلى حد الانفجار (الداخلي) الذي بدا واضحًا جدًّا على محيا الرئيس، وإن لم يعبّر عنه بمضمون كلمات الخطاب.  

الخطاب قد يتضمن لدى أصحاب الشعارات الكبيرة-ما فوق طاقتهم وطاقة الأمة المبعثرة- التي لن يطبقوها، سلبيات كثيرة مجبولة بتهم جاهزة.

وهو لدى الانبطاحيين أقل مما يجب! إذ كان الأجدر به إبداء كامل الولاء والطاعة وتأييد "ترامب" ومشروعه التصفوي لقرارات الامم المتحدة، مادامت المرحلة هي لعق الاحذية!

وما بين الحالين فإن التيار الموصوف بالعقلاني، أو العملاني (البراغماتي) التكتيكي يقف مشدوهًا من ردود أفعال المتطرفين بالاتجاهين التي تتكامل معا في المطالبة بالإطاحة بأبي مازن أي من اليمين الصهيوني، واليمين الشعاراتي الفلسطيني والانبطاحي العربي، وذلك بدلا من النظر للسلبيات والعمل على تقليصها والنظر للايجابيات والعمل على تنميتها، ونحن في زمن القرف والتهلكة العربية، ولكنه الرباط بالنسبة لنا والنصر القادم بإذن الله.