تستغل دولة الاستعمار الإسرائيلية الذكرى الـ75 للمحرقة (الهولوكوست) في اوروبا اثناء الحرب العالمية الثانية على يد الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية لتعميم مفاهيم ومقولات لا تمت للحقيقة بصلة مثل اتهام الفلسطينيين خصوصا والعرب عموما، بأنهم "أعداء السامية"، وتحاول استثمار توافد رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء خارجية من العالم لإحياء الذكرى يوم الأربعاء والخميس القادمين لترويج تلك البضاعة الفاسدة والمتناقضة مع حقائق التاريخ وأصول الشعوب والأمم، حيث ان العرب ومنهم الشعب الفلسطيني، هم الساميون، وهم المنكبون باللاسامية الصهيونية، التي تنفذها أدوات القمع التنفيذية للدولة الاستعمارية الإسرائيلية منذ ما يزيد على السبعين عاما منذ النكبة الفلسطينية في العام 1948 وحتى يوم الدنيا هذا.

والشعب الفلسطيني ومعه كل العرب كانوا وما زالوا الأكثر تضامنا مع اتباع الديانة اليهودية، الذين تعرضوا للمحرقة النازية في اوروبا في اربعينيات القرن الماضي، والتي قادها النظام الهتلري عن سابق تصميم وإصرار ضد ملايين الأبرياء في المانيا وبولندا وغيرها من دول أوروبا الغربية والشرقية. ومع ذلك قامت الحركة الصهيونية مدعومة من قبل كل قوى الشر في اوروبا وأميركا باستغلال المحرقة ضد اليهود لتنفيذ المشروع الكولونيالي الإجلائي والإحلالي على حساب الشعب الفلسطيني، ونكبة شعبه من خلال طرد ابنائه من وطنهم الأم فلسطين إلى المنافي، ولم تستجب لتنفيذ قرار التقسيم الدولي رقم 181 الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، وواصلت جريمتها باحتلال والسيطرة على 78% من ارض فلسطين التاريخية، ولم تكتف بذلك، بل انها قامت في العام 1967 باحتلال كل فلسطين التاريخية بالإضافة لسيناء المصرية والجولان السورية ومزارع شبعا وقرية الغجر اللبنانية. وادعت في كل المحطات أنها تريد "السلام"، ولكنها في الحقيقة مزقت كل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الصهيوني، وضربت ركائز مرجعيات عملية السلام، وتعمل على مدار الساعة على استباحة الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية على مرأى ومسمع من العالم، وأغلقت كل أفق لانبلاج تسوية سياسية مقبولة وممكنة حددتها الاتفاقيات المبرمة بينها وبين قيادة منظمة التحرير، التي قدمت تنازلات كبيرة وغير مسبوقة من خلال قبولها بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على مساحة الأراضي التي احتلتها في الخامس من حزيران/ يونيو 1967، والتي تعادل 22% من مساحة فلسطين التاريخية، وأقل من نصف ما كفله قرار التقسيم الدولي للدولة الفلسطينية.

في هذه اللحظة التاريخية، التي يحيي فيها زعماء العالم الأربعون ذكرى المحرقة، تستدعي الضرورة منهم جميعا بقدر تضامنهم مع اتباع الديانة اليهودية، الذين تعرضوا للمحرقة العمل على استخلاص الدروس من التجربة المرة، التي شهدتها البشرية على يد النظام النازي الهتلري، بقدر ما تملي عليهم الضرورة التوقف أمام جرائم الحرب المتواترة، التي تنفذها وترتكبها أجهزة الدولة الإسرائيلية الاستعمارية ضد الشعب الفلسطيني، وتعمل بكل السبل والوسائل لحرف بوصلة النضال الوطني الفلسطيني السلمي الهادف لتحقيق السلام الممكن كما تعمل على اتهام القيادة والشعب الفلسطيني والعرب بـ"معاداة السامية"، وهم الساميون، وليس يهود الخزر، الذين جاءوا من روسيا وآسيا الوسطى ودول أوروبا وغيرها من دول العالم، وتعيد إنتاج المحرقة بأساليب وأشكال مختلفة في عملية تطهير عرقية قل نظيرها في التاريخ المعاصر.

احد الدروس الهامة من المحرقة النازية عدم إعادة إنتاج المحرقة ضد الشعب الفلسطيني السامي، وإعادة الاعتبار لعملية السلام وفق قرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات التسوية السياسية.

 لا يكفي أن يذرف قادة العالم الدموع على ضحايا النازية الألمانية، بل واجبهم أن يذرفوا الدموع على ضحايا الصهيونية، وإنقاذ عملية السلام من تصفية محققة تقودها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بالشراكة الكاملة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب الأميركية عبر ما يطلق عليه "صفقة القرن". وعلى زعماء العالم ان يرفعوا الصوت عاليا في وجه القادة الإسرائيليين ليكفوا عن جرائمهم ومذابحهم ومجازرهم ضد الفلسطينيين.

الرهان سيبقى قائمًا على الزعماء أصحاب الضمائر الحية في إنقاذ التسوية السياسية من موت محتم بفضل السياسات الإسرائيلية والأميركية، وبناء ركائز إقليم شرق اوسطي جديد خال من الحروب والنازية مع تمكن الدولة الفلسطينية من التحرّر والانعتاق من ربقة الاستعمار الإسرائيلي، وضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم التي طردوا منها في عام النكبة 1948 وعام الهزيمة 1967، وضمان المساواة لأبناء الشعب الفلسطيني حملة الجنسية الإسرائيلية، لأنّ السلام في الإقليم يشكل بوابة للسلام العالمي، ويعزز من بناء منظومة عالمية جديد تقوم على العدالة االنسبية، وتضمن التكافل والتضامن بين الشعوب الحرة والسيدة والمستقلة.