لا يمكن أن نوجّه اللوم لأي أحد أو أي طرف، سواء دوليًّا أو إقليميًّا، بأنه يتدخّل في شؤوننا ويوسّع نفوذه على حسابنا، فالتدخل والتوسع وتعزيز النفوذ صفة مصاحبة للتاريخ البشري، والضعفاء وحدهم من يكتفون بتعليق مشاكلهم وتقصيرهم بحق أنفسهم على شماعة الآخرين، فحجم التدخل الدولي والإقليمي، الذي بات هو من يقرر مصير الأمة والمنطقة، لم يكن ليكون بهذا الاستفحال والقسوة لو كان بين العرب الحد الأدنى من التضامن، فما بالك والأمة تطحن بعضها بعضًا وتجلب هي كل هؤلاء المتدخلين والشرهين برغبة التوسع.
ومن قسوة الواقع السائد، فإنَّ السؤال يبدو مشروعًا اليوم، هل بالفعل هناك أمة عربية؟ ولعلّ الشعب الفلسطيني، الذي راهن كل الوقت على أمته، هو من قد يسأل مثل هذا السؤال، وهو بالفعل سأله مرارًا وتكرارًا في كل محنة مر بها ولم يجد من يعينه. إلّا أنّ الغريب بالأمر أنّ هذا الشعب هو من أكثر المتمسكين بالأمة وأمل أن تنهض مجدّدًا، فهو بحاجة لمثل هذا الأمل ليستمر في صعوده وفي مواجهته للمشروع الصهيوني.
المشكلة أن البعض في الأمة لم يعد يؤمن بالأمة...!! وقد توزع هذا البعض على المحاور المتصارعة على النفوذ على حسابهم كأمة، ودول، ومنطقة، وثروات. والمشكلة الأعوص، أن كل طرف في هذا البعض، يعتقد أن حربه عادلة ضدّ الآخر والسبب أن الأمة اليوم مصابة بالعمى الطائفي، والمذهبي، وبالآمال الكاذبة بنجدة الآخرين من الخارج له.
ما أشبه واقع اليوم، الذي تعيشه الأمة، بالواقع الذي ساد بعد الحرب العالمية الأولى عندما كانت الدول الاستعمارية تقرّر مصير المنطقة، بعيدًا عن أصحابها فجاءت "سايكس بيكو"، التي مزّقت الوطن العربي، وأن ما يجري هو أكثر بشاعة هو تمزيق ما هو ممزق!!
من دون شك، أمر بات معروفًًا من زمن، بأنّ هناك مؤامرة ومخططًا يستهدفان العرب والمنطقة، وهو أمر بدأ منذ أكثر من قرنين، ولكن وبهدف وقف النزيف والضياع الحاصل، فإنّنا يجب أن نبدأ من السؤال من ينقذ العرب من العرب أولاً؟ بمعنى أن علينا أن نبدأ من أنفسنا ووقف المراهنات على الخارج. صحيح أن هذه البداية هي بعيدة المنال اليوم، حيث ما زالت داحس والغبراء تثمل من حروب كارثية، ولكن يبقى الأمل بأن يدرك العرب الصواب فلا يمكن أن تستمر أمة تعيش زمن الهزائم إلى الأبد.