ليس معقولاً ولا مقبولاً استغلال بعض أصحاب وسائل إعلام وصفحات إلكترونية لمبدأ وحق حرية الرأي والتعبير المصانة في القانون، وتحويل الوسيلة إلى سلاح يفتك بالوعي الوطني، ويدمر قواعد الأمل التي ترتفع عليها أركان حياة الفرد والمجتمع على حد سواء.
 يسير هؤلاء وسائلهم بطاقة غايات نفعية شخصية، منها انتقامية، ومنها عبثية، ومنها لتحقيق مكاسب مادية، لكن أخطرها تلك التي تصب عن قصد في مخزون جبهة الحرب النفسية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي العنصري على الهرم الفلسطيني ابتداء من رأس (القيادة) وصولا إلى قاعدته (الجماهير).
هي وسائل لكن لا يمكن تصنيفها ضمن قائمة الإعلامية نظرًا لانعدام أول شرط فيها وهي تحررها من التبعية للممول الذي يعمل على تمرير نزعاته وأهوائه ورغباته الشخصية، هذا إن كان فردًا، لكن الخطر الأعظم يكمن في التبعية لمراكز قرار خارجية، قد تكون دولاً تبحث عمن يمكنها من مناطق نفوذ، أو جماعة تمتلك موارد مالية هائلة تعمل على ضرب الكينونة الوطنية لدى مجتمعاتنا المكافحة المناضلة من أجل الحرية والاستقلال.
هي وسائل تسعى لتعميم أمراض نفسية كالعدائية والكراهية، وشرعنة العنف اللفظي والبدني، وإحلاله مكان الحوار العقلاني الهادئ، وتعمل على تصنيع انفصام حاد في الشخصية يمكن أصحابها الكبار من تأبيد انقسام سياسي وجغرافي وسكاني وديني ومذهبي وعرقي ومناطقي في الدوائر المستهدفة، التي تكون شعوبها في صراع لإثبات وجودها وتناضل من أجل انتزاع حريتها واستقلالها، أو تكون في مركز متقدم على مسار التنمية.
الوسائل التخريبية هذه تناقض جوهر مبادئ وأهداف الصحافة والإعلام فنراها تنشر وتوزع الاتهامات على شخص أو حكومة أو دولة دون دليل أو بينة، فيحل الباطل في رسالتها مكان الحق، ويحل التخوين والتكفير وخطاب الإقصاء مكان التحقيق الصحفي والبحث عن الحقائق ومنهج الاستقصاء.

يتعمد أصحاب هذه الوسائل إصابة المتلقي بفيروس فقدان الثقة والمناعة الوطنية، فيسهل عليهم اختراقه وتمرير أكاذيبهم ونقله من مربع الأدب في الحوار والنقاش المحصن بالمنطق والحجة، إلى مربع الصراع الثقافي والمادي العنفي، فينجحون في تحويل التناقضات الثانوية إلى رئيسة، وترحيل الرئيسة نهائيا من قائمة الأولويات.

هم عاجزون عن فهم واستيعاب مواقف وسياسات ورؤى الآخرين في الوطن، لذا يلجأون للتشهير والقذف والقدح والاعتداءات اللفظية، يخالفون أدب الكتابة وآدابها، ويتلذذون بانتهاك القانون الكافل لحرية الرأي والتعبير وبالقدر نفسه يكفل كرامة وحقوق الإنسان الشخصية، ويمنع الاعتداء عليه أو الإساءة إليه.
يطلق هؤلاء (المسيرون) أوصافا ونعوتا على قادة ومناضلين وأشخاص اعتباريين، ينكرها الحافظون لقاموس الأخلاق والأدب، فوحده السفيه يعمل على تحقير الآخرين وسد مسارات الحوار، واحتلال منابر الرأي والتعبير لممارسة جرائم بكلام كالرصاص أو قل كالصخر المقذوف بمدفع (الأنا  الفئوية) نحو رقبة صاحب الرأي الآخر.
اغتالوا ضمائرهم ثم اعتلوا منابر الوسائل، وأخذوا يطبلون ويدعون للرقص حول نيران الفتنة! ولكن... ألا يعلمون أن الحقيقة لا تتأثر أبدا بطوفان الكذب والتخوين والتكفير والادعاءات الباطلة، وأن الإنسان العقلاني هو الفائز حتما عندما يفرض عليه الصراع.
ليتهم ينظرون ولو لمرة واحدة على وجوه وسائلهم، حينها سيكتشفون قبحها، وفظاعة ما يروجون، فليس إنسانا ولا فارسا ولا نبيلا ولا وطنيا من يغتال قواميس المنطق والكلام ليبقى أميرًا على عرش دويلة الظلام.