تقرير: خضر الزعنون

لم يكن المربي أحمد شتات من مدينة غزة، يعلم أن بحثه عن حياة جديدة خارج القطاع، ستضع حدا لحياته بعد غرقه قبالة شواطئ اليونان.

شتات هاجر قبل نحو شهرين إلى هولندا بحثا عن مستقبل وحياة أفضل له، بعد أن قدم استقالته من سلك التعليم في تربية غرب غزة، كغيره من الشبان الذين هاجروا من القطاع لتحسين أوضاعهم، في ظل الظروف المأساوية والحياة الصعبة التي يعانيها شعبنا هناك.

وقالت عائلة شتات: إن إبنها اضطر للهجرة بحثاً عن حياة أفضل ولقمة عيش، وسافر إلى تركيا ومنها إلى اليونان ثم إلى هولندا التي لم يصلها بعد أن غيبه الموت غرقاً.

وترك شتات معلم اللغة العربية بيته وزوجته وولديه الصغيرين وراح يبحث لهم عن حياة كريمة، وهو واحد من آلاف المعلمين المضطهدين، ومن آلاف الشباب المغلوب على أمرهم والمتعثرين في غزة.

غالبية الشبان الذين يخرجون من غزة عبر معبر رفح البري الحدودي جنوب القطاع يحاولون الهجرة عبر البحار إنطلاقاً من تركيا إلى اليونان وباقي الدول الأوروبية، ويتعرضون لصنوف القهر والبؤس في قوارب الهجرة غير الشرعية وفي الغابات البعيدة والمخيفة.

ولم يكن شتات الأول ولن يكون الأخير، فسبقه الشاب سليمان البشيتي من مدينة رفح، ومن قبله صالح حمد وتامر السلطان وهم ليسوا أول أو آخر من غادر غزة للبحث عن حرية أفضل وحياة كريمة ولقمة عيش.

فغزة التي تحاصرها إسرائيل، والمهملة من كل تنمية وتطور بفعل الانقسام أصبحت عنواناً للفقر والبؤس، فشبابها يهاجرون تحت وطأة صعوبة العيش، وبدل أن تكون مفتاح فرج وأمل تحول إلى موت وقهر.

وعلى مدار السنوات الماضية باتت هجرة الشباب من ذوي العقول وأصحاب الكفاءات وخريجي الجامعات ظاهرة طبيعية بفعل الأزمة الإنسانية الطاحنة والبطالة المستشرية في صفوف الشبان في القطاع.

وأشارت الإحصاءات والتقارير الصادر عن مؤسسات محلية ودولية، إلى أن نسبة البطالة في صفوف الشبان في قطاع غزة تصل لنحو 85%، وهي من أعلى النسب العالمية.

وقال أستاذ العلوم السياسية جمال الفاضي: "لا شك أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة وغياب نافذة الأمل للشباب وإنتشار البطالة بنسب كبيرة والحصار وعدم توفر فرص العمل، أدت بالشباب لأن يبحثوا عن مخرج، وهذا المخرج وجدوه في الهجرة إلى أوروبا".

وشدد على أن موضوع الهجرة خطوة صعبة وليست سهلة على الشباب، من حيث كيفية التخطيط للسفر أو الجوانب المادية، لأن غالبية الباحثين عن الهجرة بحاجة إلى مصاريف عالية وربما تتجاوز قدراتهم أو قدرات عائلاتهم المادية.

وأضاف الفاضي، أن الوضع في غزة فيما يتعلق بالحصار والانقسام وغياب فرص العمل والتشغيل سواء بالقطاع العام أو الخاص أو كل المؤسسات حتى الأهلية، لم يترك أمام الشباب فرصة إلا البحث عن الذات من خلال الهجرة.

وتابع: "نعرف الصعوبات التي يتعرض لها الشباب في الهجرة وهي بحاجة إلى كثير من الخطوات والوقت ومن السفر، فمن غزة إلى مصر إلى الجزائر إلى المغرب إلى موريتانيا ومن ثم العودة إلى اسبانيا...كل الشباب يسلكون طرقا صعبة جداً ويتعرضون إلى مخاطر سواء فيما يتعلق بالتعرض للابتزاز أثناء الهجرة عبر الدول التي يمرون بها أو محاولات التشريد أو الظروف الجوية الصعبة".

وبيّن الفاضي، أن الأزمة الحقيقية متمثلة بالانقسام، الذي نتج عنه الحصار وغياب فرص العمل وبالتالي البداية تبدأ بفك الحصار وهذا يتطلب المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام لأنه في النهاية الجميع من الداعمين سواء عربا أو أجانب يعتبرون أحد المبررات لعدم اتاحة الفرص للدعم والمساعدات وتنفيذ مشاريع البنية التحتية والمشاريع الانتاجية والزراعية والصناعية هو نتيجة الانقسام وبالتالي المنفذ والباب الرئيسي للتخلص من هذه الظاهرة هو إعادة السلطة الشرعية إلى قطاع غزة من خلال المصالحة وبالتالي هذه ستكون السبب الرئيسي لفتح فرصة الأمل والمشاريع وفرصة العمل للشباب".