ترك البعض الميدان وهرول نحو الكرسي ساعيا فصار مع القاعدين، اما هذا الفدائي المناضل فقد سعى نحو الكرسي وعندما وصله وزيرا كسر مقعده وقواعده وهرول نحو الميدان.

إنه (ابو طارق) زياد ابو عين، فدائي عاش في كتاب الشهداء، فأبت روحه إلا ان تكون شجرة زيتون مباركة ، تسافر جذورها المقدسة في ارض ترمسعيا، وترتفع هامته فيها كأنها جبل.

آمن زياد بأن الشعب الذي يحمل جيل الفدائيين منه الرشاش ، ستحمل اجيال النصر من بعدهم القلم والمبضع والمطرقة والمنجل ، وان الفدائي شهيد، وان الشهيد اسم انسان يصير نجما يبقى متلألئاً في سماء الوطن، حتى لو اندثرت كل الكواكب.

كانت القدس عشيقة زياد في السر والعلن، كان سباقا بإشهار عشقه وتنكره لتقاليد القبيلة المنكسرة روحها، والمتكررة حتى الملل روايتها، فحمل غراس الزيتون مبشرا بفجر الحرية.

كت غباراً ومسح عفنا كاد يفسد المعنى الفلسطيني لكلمة ( الوزير ) في قاموس سلطة الشعب ، فسار في المقدمة كأي فلاح شاعر ينظم قصائد الحب للأرض بلا بحور ولا سجع ، ما اجمل ضحكتك يا زياد! ما أكرمك، يا لتواضعك المرفوع على صلابة عقيدتك الوطنية، ما اعظم عنفوانك يا رجل الأفكار اللامعة المتمردة على القوالب.

تــدرج زياد ابو عين في نيل شــهادات علم وفنون حب الأرض، ارقاها وأعلاها واسماها شــهادة وقوفـ أبدي تجري في عروقه اسرار الخلود كزيتونة كنخلة كجبل يلد شمسا.

أدرك زياد أن الحيــاة في وطن حر تتطلب خرق قوانين الانكسار والانحراف فالإنسان في وطن زياد ليس مادة عاكسة للضوء فهو الضوء ذاته وهو الفيزياء والكيمياء ... وأن المجد لمن يعطي الأرض عمره .. وأن الغزاة الطغاة زائلون ، وأنه لن يبقى على هذه الأرض إلا من يحمد خالقها انه من ترابها كان، وانه اليها سيعود.

احرق طارق بن زياد صواري ومراكب جيشه على شواطئ الأندلس ، وقال لجنوده المسلحين بالسيوف والدروع : البحر من ورائكم والعدو من امامكم "ليحثهم على الهجوم والقتال، أما (أبو طارق) زياد ابو عين فقد كان يعلم أن العدو بجنوده موجود أمامه وخلفه وعلى يمينه ويساره وفوق رأسه لكنه قرر المنازلة وفي يده غرسة زيتون ، فمدته الارض بقوة الحق الذي لا ينكسر ولا يلين.

نــم قرير العين يــا ابا طارق، فلك فــي كل قرى المقاومة الشــعبية (باب الشمس) و(عين حجلة)، و(الكرامة) و(المناطير) واليوم في بوابة القدس الشرقية (الخان الأحمر) بصمات، فالطير يا زياد سيحلق في فضاء أرض الســلام..، وسينشد ابناؤها لحرية واستقلال القصائد ، غدا سينقرض مصاصو الدماء واكلة لحوم البشر، فهؤلاء شرهم في قلوبهم ، ولكل جبار ظالم مستكبر سكتة وسقطة الى الأبد وعهدا لك وللخالدين الأبرار أن تكون على ايدينا، فالحر يا ابو طارق في الحق يد القضاء والقدر.