التصويت في الأمم المتحدة على القرارات الأممية مرهون بمجموعة عوامل، منها: أولا خلفية النظام السياسي السياسية في الدولة العضو؛ ثانيا مصالح الدولة السياسية والاقتصادية والأمنية؛ ثالثا تحالفات الدولة السياسية، وأثر ذلك على تصويتها تجاه القرار المحدد؛ رابعا قدرتها من عدمه على مواجهة الضغوط الدولية وخاصة من الأقطاب المؤثرة في العالم كالولايات المتحدة؛ خامسا مدى فائدتها ومردودها السياسي وغيره من التصويت على القرار المحدد؛ سادسا الانعكاسات السلبية أو الإيجابية من تصويتها على اي من القرارات.

ويخطئ من يعتقد ان عدالة اي قضية، هي الناظم لعملية التصويت على هذا القرار أو ذاك. العدالة مطلوبة. لكنها ليست اساسية. لأن العالم مازال يقوم على حساب المصالح، وموازين القوى الإقليمية والدولية، وايضا بمكانة ودور الدولة والشعب صاحب المصلحة في هذا القرار أو ذاك في التأثير على الدول المصوتة، وما يملكه من أوراق قوة سياسية ودبلوماسية واقتصادية وعسكرية، والعكس صحيح بشأن الدولة المتضررة من هذا القرار او ذاك. 

ارتباطا بما تقدم، يوم الأربعاء الماضي الموافق 4 كانون الأول/ ديسمبر الماضي (2019) جرى التصويت على 4 قرارات ذات شأن وصلة بالقضية الفلسطينية حصل اثنان منها على تصويت عال وداعم للقضية الفلسطينية، وقراران حصل تراجع واضح فيهما، الاول القرار المعنون "اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف" صوت لصالحه 92 دولة، و13 دولة ضد، و61 دولة امتنعت عن التصويت. والقرار الرابع المتعلق بـ"شعبة حقوق الفلسطينيين بالأمانة العامة"، حظي بتصويت 87 دولة مع، و23 دولة ضد، و54 امتنعت عن التصويت. 

الملفت في القرار الأخير، ان 13 دولة أوروبية على رأسها المانيا لأول مرة تقف ضد القرار، وشاركها من دول الاتحاد الأوروبي كل من: التشيك، النمسا، اليونان، بلغاريا، الدنمارك، أستونيا، ليتوانيا، هولندا، رومانيا، سلوفاكيا، أوكرانيا، ومن أميركا اللاتينية كل من: البرازيل، كولومبيا، والمكسيك، والسلفادور وبوليفيا. 

ووفق تقديرات هيليل نوير، المدير التنفيذي لمنظمة " UN Watch " ومقرها جنيف، فإن التغيير المفاجئ في نمط التصويت للدول الأوروبية الـ11 سببه التركيز غير المسبوق على المانيا، التي تعهد وزير خارجيتها، هايكو ماس في وقت سابق من العام الحالي بمعارضة "المعاملة غير المنصفة في التصويت ضد دولة إسرائيل." وعلى اهمية ما اورده السيد نوير، فإن التشخيص الدقيق لعملية التصويت يتجاوز البعد المذكور، ولا تستثنيه، لأن هناك عوامل أخرى مرتبطة بما جرى من تحول نسبي في السياسة الألمانية بعد الانتخابات الأخيرة. كما نلاحظ ان الغالبية من الدول الأوروبية المصوتة، هي من اوروبا الشرقية، التي باتت مرتعا للنفوذ الصهيوني المتزايد؛ وأيضا ارتهانها لعاملين متلازمين هما الرشوة والعصا الغليظة الأميركية؛ وكذلك لانزياح الأنظمة السياسية في اوروبا وأميركا اللاتينية نحو اليمين القومي المتطرف، أو وجود أنظمة دفعت بها الولايات المتحدة لسدة الحكم بوسائلها المختلفة؛ ولا يفوت المرء هنا، ان يؤكد على تأثير الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط الكبير على عمليات التصويت، وايضا غياب الثقل العربي الرسمي في المشهد الأممي، والانقسام الفلسطيني الناجم عن إصرار حركة الانقلاب الحمساوية على خيار الإمارة، والتساوق مع الصفقة الأميركية، والمشروع الكولونيالي الإسرائيلي. كما ان المشهد العالمي مازال يعيش حالة من التخبط، واللاإستقرار، وتغير ملامح النظام الدولي والتحالفات والكتل المشكلة لمنظومته العالمية. 

جميعها عوامل مؤثرة في عملية التصويت لصالح أو ضد القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية. وهي بمثابة إنذار للقيادة الفلسطينية، تستدعي وضع التحولات الجارية على طاولة البحث والحوار، واشتقاق الأساليب والسبل الممكنة والمطلوبة لوقف التراجع النسبي الحاصل، وحماية عملية التصويت الدولية بمنسوبها العالي، كواحدة من الدعامات الإيجابية للقضية والحقوق والثوابت الوطنية، والشروع بالتحرك الفوري مع الدول ذات الصلة لترشيد مواقفها السياسية، مع ضرورة التسلح بأوراق القوة العربية والإسلامية والمنظمات الأممية وخاصة منظمة دول عدم الانحياز، ومجموعة الـ77 + الصين، ومنظمة التعاون الأفريقية وغيرها لتعزيز المكانة الفلسطينية.