ليتك تنهض قويا كما كنت دائما، لترى سيل الحب الجارف من خلفك. من أخوة وأصدقاء ومحبين لم تخنهم الذاكرة باستدعاء تاريخك الحافل بالعطاء، وهم يستدعون استماع جملتك السياسية التي طالما أثبتت التجربة صوابها، ووطنية نطاقها، واتساع مشروعيتها.
ليتك تنهض لتعلم أنه لم يفتك التقدير والاعتزاز لحضورك الأكبر، الذي كان بحجم فضائك المتخم بالوعي الحريص، وثقيلا بوزن ذاكرتك الاستثنائية التي حفظت الماضي واستقرأت المستقبل.
وداعا أيها الرجل المقاتل الذي لم يعرف الخوف، ولم يتردد صوته عن الصدح بالحق، فقلت ما كان يجب يقال وإن عز المرحبون به، ولم يرتجف قلمك يوما وهو يدافع عن "فلسطنة" القرار الوطني واستقلاله، فكنت بجدارة صاحب الكتابة النظيفة.
وداعا لمن كان يقرأ بعيون الصقر، ويكتب بلغة الأديب العاشق، ويرتب النص كعريس يفتخر بهندامه، ويقدم مفرداته كأم تعتز بمذاق طبخها، الشهي.
وداعا أيها الرجل الذي لم يغادر جغرافيا الوطن، ولم يكن يؤمن بالبدائل، ولم يعرف الردة يوما، فكانت وستبقى فلسطين قرآنك وسنتك، فكنت الجامع للكل من أجل من تستحق وهي الـ"فلسطين".
ثمانية عشر عاما تعلمت منك فيها الكثير، بل أكثر، في الإعلام والسياسة والحياة والإنسانية، فكنت خير أخ ونصير.
سأحتفظ من بعدك بدفتري الصغير والقلم الجاف، لأساعد الذاكرة باستدعاء تفاصيل قد تتوه في زحام المستعجلين، وسأوبخ نفسي كلما استراحت عن معرفة وفعل الجديد، بل سأخاصمها إن صدقت أن الحقيقة هي ما يقال.
شكرا أبا يزن الاستثنائي في الجمع بين السياسية والإعلام واللغة، وقد تعلمت منك فن تطويع الحروف، وأحيانا لي عنقها، للتعبير عن المراد، وتوضيح المبهم، كي لا أكون أسيرا لمفردات مُسقطة.
شكرا لأنك لم تبخل علي يوما بما اكتنزت من معرفة ومعارف، وما أشركتني من أسرار للتعلم والتحصن من تقلبات الأزمان، وحرفيه إدارة الصعب حتى وإن شابه المستحيل.
حفظت عنك، وسأبقى حافظا لعهدك ولسرك.
وداعا أبا يزن الاستثنائي حتى في غيابك.