آخر المشاهد الساقطة التي طالعنا بها مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي في إدارة ترامب، هذا التصريح الأبله "ان المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تتعارض مع القانون الدولي".
بداية، السبب الذي مكن بومبيو من البقاء صامدا ومستقرا في إدارة ترامب، انه ومنذ تعيينه بدلا من تيرلسون وزير الخارجية السابق، ان بومبيو ليس صانع أفكار على الاطلاق، وأن عمله ينحصر في التماهي بلا إرادة وبلا عقل، ومع تغريدات ترامب التي يتناقض ما يصدر منها في المساء مع ما صدر منها في الصباح، الذي يسبق فيها وزير خارجيته ليس له بعد ذلك إلا مجرد مفسر لها، وهو لا يعرف معناها ولا مغزاها، فيبدو بومبيو في هذه الأثناء جاهلا لما يشرحه، وغارقا في حالة بائسة من هز الرأس علامة الموافقة، متظاهرا بفهم ما يجري بينما هو لا يفهم شيئا.
الاستيطان الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية كله من أوله الى آخره مناقض للقانون الدولي، ومناقض لقرارات الشرعية الدولية، متناقض لقرارات مجلس الأمن وآخرها في هذا الصدد القرار 233 الذي يقول بكل وضوح إن الاستيطان الاسرائيلي غير شرعي ولن يكون شرعيا، وأنه العائق الرئيس لعملية السلام، وبالتالي فإن تصريح بومبيو الأخير هو انقلاب آخر في سلسلة الانقلابات على المواقف الأميركية، بينما أميركا في هذه الأيام في حالة حيص بيص، بسبب القفزات غير المدروسة التي يقفزها ترامب في الفراغ دون عقل، ودون سبب سوى انه رجل مختلف، وأحاط نفسه بإدارة ليس فيها من ينصحه بل يخدعونه حين يوافقونه على شذوده العميق.
لماذا هذا التصريح الأهوج في هذا الوقت بالذات؟؟
لقد جاء هذا التصريح الغبي والكاذب، ردا سريعا على الصفعة التي تلقتها الولايات المتحدة في الأمم المتحدة قريبا جدا، حيث صفعها العالم كله بأغلبية ساحقة بتجديد ولاية "الاونروا"، حيث "الاونروا" واحدة من مفردات القضية الفلسطينية، فحين نقول "الاونروا" فكأننا نقول "اللاجئون الفلسطينيون الذين أنكر ترامب ومعه تابعه بومبيو وجودهم، كما قدمها ترامب كلها هدية لنتنياهو وثبت ان الهدية عصية على البلع، فالقدس معناها ألف حرب وليس مجرد تغريدة بلهاء من تغريدات ترامب.
وهذا التصريح جاء ثانيا في محاولة بائسة لإنقاذ نتنياهو لضمان ان يبقى في مكتب رئيس الوزراء، لأنه حين يخرج فلن يذهب إلى البيت بل سيذهب إلى السجون التي تناسب قضايا الفساد التي تلاحقه، وبعض هذه القضايا تصل الى حد الحاق الضرر بالأمن القومي الإسرائيلي، وكم من السكاكين ستنغرس في لحم البقرة السمينة حتى تقع؟ وقد ظهرت احاديث وتسريبات كثيرة من اختلال العلاقة بين نتنياهو وترامب في الأيام الأخيرة على خلفية القول المأثور "جبتك ياعبد المعين تعين، لقيتك ياعبد المعين تنعان".
أما السبب الثالث وراء هذا التصريح الأبله، فهو ان ترامب وادارته يتخبطون، ومعركة العزل يشتد أوارها، وقد تصل إلى حدود قصوى غير متوقعة، فأرادت إدارة ترامب أن تثير الانتباه بعيدا، فكان هذا التصريح الذي بدا فيه بومبيو مثارا للسخرية، وهذا جوهر مسيرتها في السنوات الثلاث الماضية، كم هاجمت وكم مدحت، كم بشرت وكم تشاءمت، لأن سياساتها مجرد خبطات في الفراغ.
بقي ان نقول، مزيدا من الثقة بالنفس، والانتماء لعدالة قضيتنا وقدسية حقوقنا وتدعيم قيادتنا الشرعية، فالمعركة تطل برأسها، ونحن لا نملك سوى خيار وحيد ان نخوض المعركة وان ننتصر، وشكرا للعالم الذي يقف معنا مؤكدا ان القضية الفلسطينية ليست مجرد تصريح احمق بل هي الخيار بين الحرب والسلام.