بيان صادر عن قيادة حركة "فتح" في لبنان
(قرار وزير خارجية الولايات المتحدة بومبيو هو عدوان جائر على القضية الفلسطينية؛ أرضاً وشعباً وتاريخاً، كما أنه انتهاك صارخ وتدمير لقرارات الشرعية الدولية).

 

يا جماهير شعبنا الفلسطيني في أرض الوطن، وفي الشتات، وفي كل المخيمات، أنتم اليوم كما كنتم بالأمس البعيد والقريب، على موعدٍ مع معركة تثبيت الوجود، وحماية الحدود، وصيانة الحقوق، لأنَّ نار العدوان السياسي، والأمني، والجغرافي، والميداني تلتهم كلَّ ما هو قائم لتغيير الحقائق التاريخية، والحدود الجغرافية، وتهويد المقدسات الإسلامية والمسيحية.
إنَّ تصريح وزير خارجية واشنطن بومبيو يوم الاثنين في 18/11/2019 جاء ليسقط آخرَ ورقة توت عن عورات، ودسائس، وأحقاد واشنطن العنصرية بقوله: "إنَّ واشنطن لم تعد تعتبر المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة غير متسقة مع القانون الدولي".
إنَّ أهم ما في هذا الموقف الأميركي الرسمي أنه جزء لا يتجزّأ من صفقة القرن التي ما زالت تحفرُ عميقاً في جسد القضية الفلسطينية. لقد جاء هذا التصريح ليصبَّ البنزين على النار، من أجل جعل الجميع يرى حقيقة ما يجري من متغيرات مدمرة في المنطقة.
إنَّ العالم بأسره شاهدَ، وسمعَ جيداً، والجميع قال رأيه بكلمات مقتضبة، وإن كانت حرارة الكلمات تتباين بين فريق وآخر، فالجميع أوصل الرسالة، وأدى الأمانة. هذا نفسه ما حصل عندما قرَّر ترامب زعيم الإرهاب الدولي أنَّ القدس هي عاصمة الكيان الصهيوني، وبمعنى أوضح أنه لا يوجد دولة فلسطينية، ولا أرض فلسطينية، وإنّا هذه الأراضي هي أراضي دولة القومية اليهودية.
أمام هذا الواقع الجديد، أصبح الشعب الفلسطيني وجهاً لوجه مع مخاطر تهدد وجوده، وكيانه السياسي والوطني، والجميع بالأمس قال كلمته، مؤكداً تعاطفه مع قضيتنا، وكفى، وكل طرفٍ عاد إلى همومه ومشاكله، ويدعو لنا بالتوفيق.
فهل نحنُ كفلسطينيين قادرون على أن نكون بمستوى المسؤولية التاريخية لحماية القضية الفلسطينية، وشعبها الذي يعيش أحلك الظروف؟؟!!
نحن أمام خيارين لا ثالث لهما، فإمّا أن نكون، وإمَّا أن نغادر حلبةَ الصراع لنعيش على هامش الأحداث، ونبقى في صفوف المتفرجين، ولأننا اعتدنا دائماً أنّ نتقدمَ الصفوف، وأن نتمترسَ في الخنادق الأمامية، وحيث يتم صنعُ القرار، فإنَّ خيارنا بكل وضوح هو أن نكون، وأن نبقى الرقمَ الصعب في عملية الصراع.
نحن لا نستغربُ ما يصدر عن ترامب وفريقه الصهيوني من قرارات جائرة، لأنَّ عقولهم ملوَّثة بالأحقاد، والعداء المطلق للشعب الفلسطيني، والثقافة العنصرية المعادية لكافة القيم البشرية والأخلاقية، ولذلك فنحن نؤكد الحقائق الجوهرية التالية في صراعنا ضد الاحتلال ومستوطنيه:
أ: على ترامب وفريقه الصهيوني المغموس بالأحقاد والعجرفة، والكراهية المطلقة للشعب الفلسطيني والأمة العربية، أن يطمئنَّ بأن شعبنا متجذّرٌ في الأراضي الفلسطينية، وشرايينه متصلة بشرايين الأقصى، وخليل الرحمن، وكنيسة القيامة، وكل حبة تراب. نحن أصحاب عهد وأمانة ووفاء لدماء الشهداء، وعيوننا دائماً ترحلُ إلى ضريح الرمز ياسر عرفات، وقلوبنا تنبضُ باستمرار إصراراً وتصميماً على حماية المقاطعة بكل ما فيها من تاريخ مشرِّف، كان عنفواناً ؛ شهيداً.. شهيداً.. شهيداً ... وما زال حتى اللحظة ثباتاً، وتحدياً، وقراراً مستقلاً، وصرخةً مدويةً من (الثابت على الثوابت) بوجه ترامب وحليفه نتنياهو: فلسطين لنا، والأرض أرضنا، والقدس عاصمتنا...
ب: نحن عبر صراعنا الطويل مع الاحتلال الصهيوني، ورغم تجريدنا من السلاح، وفي الوقت نفسه تسليح ودعم العصابات الصهيونية، إلاَّ أننا ومنذ وعد بلفور ما زلنا في خنادق المقاومة والتحدي. ورغم التآمر على وجودنا، إلاَّ أننا أسَّسنا حركة "فتح"، ثُمَّ "م.ت.ف"، وأطلقنا الثورة الفلسطينية الرائدة ومازلنا نرفدها بدمائنا، وشهدائنا، وعذاباتنا، وصَبْرِنا، واستهدافِ وجودنا.
ج: نحنُ في حركة "فتح" منذ انطلقنا عاهدنا الله سبحانه، وأقسمنا أمام شعبنا بأنها ثورة حتى النصر.  لقد تولَّدَ هناك عشقٌ مُقدسٌ بيننا وبين ترابنا، ومقدساتنا، وأضرحة أسلافنا، ونحن مؤتمنون على أرض الرباط جيلاً بعد جيل، وحريصون على وحدة الوطن، لأنَّ الوطن هو فلسطين، كلّ فلسطين، صحيحٌ أنّها محتلة، لكنها تعيشُ في وجداننا وعقولنا، ونحن نعيش في كل تضاريسها، وهذه حقيقة وجودية جذَّرها شعبنا بكفاحه الوطني المتواصل.
د: إنَّ ترامب وحليفه نتنياهو اللذين يسعيان لإشعال المنطقة، وتدمير كل ما له علاقة باتفاقات السلام، والعمل الجاد لتهويد الأراضي الفلسطينية الكنعانية، وزرعها بالمستوطنات من أجل تحقيق الحلم الصهيوني بإقامة الدولة اليهودية القومية، وشطب الوجود الفلسطيني، عليهم جميعاً أن يقرؤوا تاريخنا وحاضرنا جيداً، وأن يدركوا بأن موافقتنا على عملية السلام مشروطةٌ بتأمين حقوقنا التاريخية على أرضنا المقدسة كباقي شعوب المنطقة.
ولا شك أنَّ شعبنا الفلسطيني الذي أطلق أعظم ثورة في التاريخ المعاصر من بين ركام الخيام، والمعاناة، والقهر، والتشرد، هو قادر اليوم على تحديد الخيار الجديد، المنطلق من جوف معاناة شعبنا جراء السياسة العدوانية الصهيونية التي يقودها ترامب ونتنياهو. ونحن أوَّل من فجَّر الثورات، وأول من حطَّم المعادلات، وأول من هزم المؤامرات، والمعادلة الحالية القائمة على دعم الخيار الصهيوني على حساب قضيتنا الفلسطينية لن يستمر، وعندما يعجز العالم عن تطبيق قرارات الشرعية الدولية، ويقبل بالارتهان والاذعان لإرادة الصهيونية، فعلى الجميع أن يتوقَّع انطلاقةً ثوريةً فلسطينية لصناعة المستقبل الواعد والجديد، وهذا الواقع قائم على حقيقتين؛ الأولى أن شعبنا الفلسطيني تربى على العزة والكرامة والشهامة والشهادة، وليس على الخنوع. والحقيقة العلمية الثانية هي أنَّ الضغط الشديد والمتواصل سيؤدي إلى الانفجار الأشد، والأعم، والأقسى من أجل تصحيح المسار.


المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
والحريةُ والعزةُ لأسرانا الصامدين بوجه الجلاد الصهيوني.
والشفاء لجرحانا الذين ضحَّوا من أجل كرامتنا.
وإنَّها لثورة حتى النصر.

 


قيادة حركة "فتح" في لبنان
إعلام الساحة
22-11-2019