بعد انتهاء الزمن المحدد بالملحق الخاص باتفاقية وادي عربة للسلام الموقعة بين الأردن وإسرائيل في 26 تشرين أول/ اكتوبر 1994 المتعلق بمنطقتي الباقورة والغمر، اللتين تم تأجيرهما للدولة الإسرائيلية لمدة 25 عاما، قرر الملك عبد الله الثاني استعادة تلك الأراضي، وإلغاء الملحق المذكور، ووفقا لما تم الاتفاق عليه، فإنه من حق أي من الطرفين إنهاء الاتفاق بإبلاغ الطرف الآخر قبل عام من تاريخ الانتهاء للمحلق، وهو ما فعله الملك الأردني في 21 من تشرين أول/ أكتوبر 2018، ثم قامت وزارة الخارجية الأردنية بإرسال رسالة رسمية لنظيرتها الإسرائيلية تكريسا لموقف العاهل الأردني.

يوم الأحد الماضي الموافق 10/11/2019 طالب الأردن برحيل كل الإسرائيليين المستعمرين من المنطقتين، ورفع العلم الأردني عليها، وزار أول أمس الاثنين الملك الأردني وولي عهده منطقة الباقورة. وعقدت وزارة الخارجية الأردنية مؤتمرا صحفيا أعلنت فيه استعادة السيطرة عليهما وفق ما نص عليه الملحق. ولكن هذا لا يعني إنهاء اتفاقية السلام بين البلدين.

القرار الأردني أثار غضب وسخط المستعمرين الإسرائيليين وخاصة اقطاب اليمين المتطرف، الذين هددوا وتوعدوا باتخاذ إجراءات ضد المملكة الشقيقة، وادلوا بتصريحات عنصرية وعدوانية ومسيئة للأردن بكل مكوناته الرسمية والشعبية، وأعلنوا أنهم سيعودون ثانية لاحتلال المنطقتين، مع ان الأردن تصرف بشكل ديبلوماسي، ولم يرد على الفجور والوقاحة الإسرائيلية، وأعلن انه سيسمح للمستعمرين بحصاد محاصيلهم المزروعة بعد شهرين. وكان وزير الزراعة، إريئيل هدد بتقليص كمية المياه الممنوحة للأردن، مع ان تلك الكمية، هي حصة المملكة من نهر اليرموك ردا على القرار الشجاع. ولعدم تمكن الوزير الصهيوني من تنفيذ وعده، استقال الإثنين الماضي.

اعتقد الإسرائيليون ان القيادة الأردنية مكبلة بجملة من العوامل الذاتية والموضوعية تحول دون إقدامها على إلغاء الملحق المذكور. لكنها أخطأت الحساب، ولم تقرأ الموقف الأردني جيدا. ومع ذلك سعت الحكومة الإسرائيلية لترتيب لقاء بين الملك عبدالله ونتنياهو، غير ان الملك لم يستجب للطلب الإسرائيلي، وأصر على موقفه، رغم كل المحاولات والضغوط الإسرائيلية.

ومن الجدير بالذكر، ان الخطوة السياسية الأردنية لم تأت من فراغ، انما جاءت في أعقاب رفض الشعب والبرلمان الأردني استمرار العمل بالملحق الخاص، ليس هذا فحسب، بل طالب بإنهاء العمل باتفاقية وادي عربة. أضف إلى ان حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة أمعنت في غطرستها واستعماريتها برفض خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، الذي تدعمه القيادة الأردنية وعلى رأسها الملك عبد الله إنسجاما مع قرارات الشرعية الدولية. فضلا عن الانتهاكات المتواصلة في القدس عموما والمسجد الأقصى خصوصا، وإمعانها في فرض التقسيم الزماني والمكاني، وإدارة الظهر للوصاية الأردنية على المسجد الأقصى... إلخ من الانتهاكات، التي لا تعد ولا تحصى ضد الشعبين الشقيقين الأردني والفلسطيني.

لكن الملك وحكومته، لم يذهبا بعيدا في هذا المنحى. واكتفوا بوقف العمل بالملحق، وتمت فعلا استعادة الباقورة والغمر، غير ان اتفاقية السلام بين البلدين سمح للأردن باستعادتهما. مع ذلك فتحت المملكة قوس التعامل الدبلوماسي مع دولة الاستعمار الإسرائيلية عند التوقيع على اتفاقية السلام، ووافقت على الملحق الخاص بالمنطقتين، والاحتفاظ بها لمدة 25 عاما قابلة للتجديد في حال لم يلغ اي منهما الملحق.

غير ان دولة إسرائيل الخارجة على القانون، والمسكونة بالمشروع الكولونيالي الصهيوني الاستراتيجي لا تنفك عن خيارها التوسعي العدواني على كل الأرض الأردنية، وليس منطقتي الباقورة والغمر. وهي لا ولن تتورع عن ارتكاب اية جريمة استعمارية ضد الأردن الشقيق، أو اية دولة عربية بمن في ذلك تلك الدول التي لا تكتفي بالتطبيع المجاني معها.

استعادة المملكة لمنطقتي الباقورة والغمر خطوة هامة وشجاعة، يمكن البناء عليها، واستشراف آفاقها. لذا أعتقد انها محطة نوعية إيجابية تستحق القراءة أكثر وأعمق لاستخلاص دلالاتها السياسية والأمنية.