الجنوح نحو التصعيد والحرب كان دائما أحد السيناريوهات الأساسية للحكومات الاسرائيلية المتعاقبة عمومًا، وحكومات نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف خصوصًا. ومع اشتداد أزمة رئيس حكومة تسيير الأعمال المتهم بمجموعة من قضايا الفساد، والخشية من توجيه لوائح اتهام ضده، ولإفشال زعيم تكتل "أزرق أبيض" في تشكيل حكومة جديدة، ولا سيما أن لقاء أمس الأول، بين غانتس وليبرمان حمل بعض الانفراج النسبي لفتح أفق أمام ولادة حكومة أقلية بدعم القائمة العربية المشتركة، وهو ما يعني تحول في موقف زعيم حزب "اسرائيل بيتنا" من الكتلة الثالثة في الكنيست الـ٢٢، الذي دفعه لذلك تأكده من أن نتنياهو مصمم على أخذ اسرائيل لجولة ثالثة من الانتخابات، وما يكرس توجهه تعيينه بينت وزيرا للحرب، فكان بمثابة جرس إنذار لليبرمان، دعاه لتدوير زوايا في موقفه من النواب الفلسطينيين، لأنه يعتقد أن رئيس حكومة تسيير الأعمال سيذهب للحرب للهروب للأمام، وقطع الطريق على أي تطور يسحب بساط الحكومة من تحت قدميه، وأيضا لتأجيل توجيه لوائح الاتهام ضده من قبل المستشار القضائي.

وارتباطا بالتصعيد الجاري على جبهة محافظات الجنوب الفلسطينية، والذي فجره نتنياهو مع تولي بينت وزارة الحرب، مع ان زعيم الليكود يعلم علم اليقين أن حركة حماس ليست معنية بالتصعيد، ليس هذا فحسب، بل هناك قواسم مشتركة بين الطرفين الاسرائيلي والحمساوي ينظمه اتفاق التهدئة المذلة لعدم تجاوز السقف المتفق عليه بينهما. ومع ذلك ذهب رئيس الحكومة الاسرائيلية الى التصعيد، وقام فجر الثلاثاء باغتيال أحد قادة سرايا القدس، بهاء أبو العطا وزوجته، وأيضا بالتلازم مع ذلك محاولة اغتيال أكرم عجور في دمشق، وهو مساعد لزياد النخالة، امين عام حركة الجهاد الإسلامي، ورغم نجاته شخصيًا غير أن ابنه استشهد واصيبت زوجته، ما فتح كوة التصعيد، واحتمالية الذهاب إلى اجتياح واسع على قطاع غزة، في حال خرجت الأمور عن السيطرة ولم يتم ضبط إيقاع ردود الفعل، وتلا ذلك قصف عدد من المباني السكنية، ما رفع عدد الشهداء إلى ما يزيد على خمسة عشر مواطنا، وسقوط عشرات الجرحى.

التصعيد الجاري في هذه الجولة متدحرج، وقد يذهب نحو البعيد، ولا يجوز الانصات إلى ما ذكره رئيس حكومة تسيير الأعمال ظهر يوم الثلاثاء الماضي، بأن حكومته لا تسعى للتصعيد، لأن العكس صحيح. لا سيما أن التصعيد يحقق أهدافه لجهة خلط الأوراق في الساحة الاسرائيلية بما يخدم مصلحته الشخصية على حساب مصالح المجتمع الاسرائيلي، كما أعلن أكثر من مسؤول اسرائيلي، ومراقب إعلامي، وتوجيه أصابع الاتهام لنتنياهو بأنه من يقف وراء التصعيد، هذا من جهة، ويحقق أهداف بينت، الذي انتظر هذه الفرصة طويلا، وكان أعلن إذا ما تولى وزارة الحرب، لن يكون كما ليبرمان، وسينفذ عمليات اغتيال وتغيير قواعد العمل مع جبهة غزة. وبالتالي لم تكن عملية التصعيد بالصدفة، أو ردة فعل، إنما جاءت محسوبة جيدًا ومخططا لها بحيث تتم مع الاغتيالات في غزة ودمشق مع تولي زعيم حزب "اليمين الجديد"، ولإشباع نزعاته العنصرية والفاشية مع ارتفاع أعداد الشهداء والجرحى في أوساط الشعب الفلسطيني تمهيدا وتحضيرا للجولة الثالثة من الانتخابات، التي بات يسعى اليها زعيم الليكود الفاسد. بالمقابل نتنياهو هدف إلى تعطيل أي تقدم في اجراء الانتخابات داخل أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران/ يونيو ١٩٦٧، ولقطع الطريق على عملية المصالحة الوطنية. وربما هذا الهدف يخدم توجهات حركة حماس، ليخرجها من مأزقها، لا سيما أنها لا ترغب بالانتخابات، وبالتالي تصعيد نتنياهو- بينت للحرب يعفيها من المسؤولية، ويبرئ ساحتها.

ما ارتكبته دولة الاستعمار الاسرائيلية من جريمة يوم الثلاثاء الماضي، والتي ما زالت تتدحرج يعتبر إنذارا وجرسا تحذيريا يتطلب من العالم التدخل فورا لوقف الجريمة الجديدة، والعمل على تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وإلزام إسرئيل بوقف حربها على المواطنين الفلسطينيين العزل، والارتقاء خطوة نوعية لفرض عقوبات على اسرائيل لإلزامها بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو ١٩٦٧.