تقرير:  إيهاب الريماوي

قبل عام ونصف العام، أصيب شاب برصاصة أطلقها جنود الاحتلال الاسرائيلي قرب حاجز الزعيّم شرق مدينة القدس. الرصاصة أطلقت على الشاب في وضح النهار وسط "ملهاة " الجنود، و"مأساة" الشاب.

حكاية المصاب ظلت مخفية إلى أن ظهر مؤخرا مقطع فيديو يوثق إطلاق النار عليه بعد أن طلب منه الجنود التوقف.. مقطع الفيديو أحدث ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفضح تعامل الاحتلال مع المواطن الفلسطيني الآمن والأعزل.

"اوقفني الجنود وقطعوا طريقي وأمروني بالعودة.. أدرت ظهري وشاهدت ثلاثة جنود يصوبون أسلحتهم نحوي، كنت أنتظر أن أتلقى رصاصة في جسدي، أسير بخطوات متثاقلة والعرق بدأ يتصبب مني، كانت هذه اللحظات الأشد رعباً في حياتي، أغمضت عيني وبصعوبة بالغة نطقت الشهادتين".

على أول الحكاية، وتحديدا صباح الخامس والعشرين من شهر آب أغسطس عام 2018، توجه الشاب كرم سعدي القواسمي (23 عاماً) من مدينة الخليل إلى قرية الزعيّم شرق مدينة القدس من أجل البحث عن عمل فيها، حيث يجبر الشخص الذي يريد الدخول إليها بأن يمر عبر حاجز عسكري مقام على مدخلها على الدوام.

ظُهر ذلك اليوم وأثناء عودته من الزعيّم وعند اقترابه من الحاجز هاجمته دورية عسكرية تابعة لما يسمى "حرس الحدود"، و"دهسته"، ثم نزل منها عدد من جنود الاحتلال الاسرائيلي واعتدوا عليه بالركل بأعقاب البنادق وبأقدامهم.

"عندما دهستني الدورية وقعت أرضاً، وترجل الجنود من الدورية وبدأوا بالاعتداء علي وشتمي بعبارات نابية، وأخذوا هويتي، واتهموني بأني أريد أن أدخل إلى القدس عن طريق التهريب وأني أحمل سكيناً"، يقول كرم القواسمي.

ظهر الشاب القواسمي في فيديو التقطته أحدى مجندات الاحتلال الاسرائيلي مدته 26 ثانية فقط، اعتبرها في حديث معه، 26 ثانية من الموت!

"الفيديو المنشور ذو الثواني المصورة أفظع وأصعب وأكثر ألماً، فقد تم دهسي من قبل جيب عسكري ومن ثم اقتيادي إلى منطقة أجهلها، وتم الاعتداء علي بالضرب على الرأس والظهر وجميع أنحاء جسدي لمدة ثلاث ساعات وأكثر، ومن ثم اجبروني على الذهاب إلى منطقة لا أعرفها قبل أن يتم إطلاق النار علي، وبعد خمسة دقائق وأنا ملقى على الأرض جاء الجنود وأطلقوا النار مجدداً بشكل عشوائي على المنطقة المحيطة بي بغرض التسلية واللعب والإثارة"، أضاف كرم القواسمي.

لما طلب الجنود من كرم الذهاب إلى منطقة بعيدة عنهم، أدار ظهره ونظر باتجاه الجنود الذين كانوا يأخذون وضعية القنص، وعندما تقدم عدة خطوات إلى الأمام أطلق جنود رصاصة "مطاطية" أصابت ظهره وأسقطته أرضاً.

ظن كرم أنه أصيب بالرصاص الحي وأنه سيفارق الحياة، حيث لم يتمكن من تحريك جسده من قوة الرصاصة، ورفع سبابته ونطق الشهادتين بصعوبة، وبعد عدة دقائق استعاد وعيه، وأمره الجنود بأن يواصل التقدم إلى الأمام رغم الإصابة التي تعرض له، وبالكاد كان يسير، والجنود يطلقون الرصاص من حوله، واستمر على هذا الحال لأكثر من ساعة حتى تركه الجنود عندما وصل إلى بلدة عناتا وهناك استقل مركبة وتوجهت به إلى مستشفى بمدينة الخليل.

تخرج كرم من جامعة بوليتكنك فلسطين بتخصص محاسبة تقنية قبل عامين، ولم يحالفه الحظ بالعثور على عمل مناسب في تخصصه.

"منذ أن تخرجت وأنا أقدم لمعظم الشركات التي تطلب تخصص المحاسبة، ولكن هذه الشركات كانت تطلب الخبرة بشكل دائم، أو موظفة، ولكن كيف لي أن أملك الخبرة وأنا حديث التخرج، ولذلك لجأت للبحث عن أي عمل استرزق منه من أجل مساعدة شقيقي الذي يكمل دراسة الدكتوراه في ماليزيا، وحالياً أعمل كبائع في محل للأدوات المنزلية".

معلمته في كلية المهن التطبيقية بالجامعة "بهية النتشة" قالت عن الفيديو الذي يوثق قنص كرم: " لم أكن أعلم أن الشاب الذي أطلق عليه الرصاص قبل عام ونصف العام والذي ظهر في الفيديو الذي أنتشر على مواقع التواصل هو كرم القواسمي، أحد طلابي الذين درستهم مادة الفكر الإسلامي في جامعة البوليتكنيك، شاب خلوق مجتهد مبتسم دائماً، كلما صادفته بعد انتهاء ذلك الفصل أشعر بأنه ممن نتأمل بهم خيراً".

مشهد جريمة قنص كرم القواسمي وثق وسرب بطريقة ما، غير أن مئات جرائم الإعدام الميداني على الحواجز العسكرية وفي ميادين المواجهات، لم تسعف عين الكاميرا توثيقها، وما ينشر منها فقط هو الرواية والشهادة الاسرائيلية التي تمتاز بالزيف والكذب على الدوام.