الانتخاباتُ هي مناسبةٌ للتأثيرِ المباشرِ والمشاركةِ الفعليةِ في اختيارِ من يمثّلُ المواطِنَ ويتبنّى مطالبَهُ ويعملُ على تنفيذِها في الفترةِ التي تلي انتخاباتٍ وتسبقُ أخرى. هذا الفَهمُ للحقِّ الانتخابيِّ يفتَرضُ وجودَ ثقةٍ مُسبَقَةٍ بالنظامِ السياسيِّ على مستوى المؤسّساتِ والأفراد. فهذه الثّقةُ هي التي تجعلُ المواطنَ مُطمئنًّا إلى التزامِ من ينتخبُهم بتنفيذِ إرادتِهِ بصفتِهِ مصدرَ شرعيّةِ ممثّليهِ وربَّ عمَلِهم. فما الذي يمكنُ أن نقولَهُ في هذا السياقِ عن الانتخاباتِ في فلسطينَ؟ هل هي مجرّدُ انتخاباتٍ "برلمانيّةٍ" لاختيار تركيبةٍ جديدةٍ للمجلسِ التشريعيِّ بعد مرورِ ثلاثةَ عشرَ عامًا على آخرِ انتخاباتٍ للمجلس؟ وهل تشكّلُ القضايا المطلبيةُ محورَ هذه الانتخاباتِ ومجالَ التنافسِ بين من سيخوضونَها، ومقياسَ الاختيارِ لدى النّاخبين؟ أم أنَّ أمامَ شعبِنا مهامّ أشدَّ تعقيدًا يجبُ على من يتنطّحُ لطرحِ نفسهِ كمرشّحٍ لتمثيلِ الشّعبِ أن يكونَ مُدرِكًا لها ومستعدًّا للمشاركةِ في النّضالِ من أجلِها؟

 

لا أعتقدُ أنَّ هناكَ من لا يدرُكُ طبيعةَ الحالةِ الفلسطينيّةِ أو يغفلُ عن ترابطِ المهامِّ اليوميّةِ والحياتيّةِ مع النضالِ السياسيِّ الوطنيِّ العامِّ. وعلى الرغمِ من حصرِ الانتخاباتِ بجزءٍ من الوطنِ وجزءٍ من الشّعبِ فإنَّها تشكّلُ مناسبةً لإعطاءِ المثالِ الجيّدِ في القدرةِ على ممارسةِ الحُكمِ وتلبيةِ احتياجاتِ المواطنِ ودعمِ صمودِهِ في وطنِه. ونستطيعُ أن نتلمّسَ منذُ الآنَ طبيعةَ المهامِّ التي ستجدُ الحكومةُ القادمةُ نفسَها في مواجهتِها بغضِّ النّظرِ عن تركيبتِها السياسيةِ، علمًا أنَّ الحكومةَ والسّلطةَ الوطنيّةَ عمومًا هي أداةُ منظمةِ التحريرِ الفلسطينيّةِ في الدّاخلِ لتنفيذِ برنامجِها الوطنيِّ الشاملِ وليستْ "جمهوريّةً مستقلةً". ولعلَّ الاستمرارَ في بناءِ أسُسِ الدّولةِ الفلسطينيّةِ ومؤسّساتِها هي أولى هذهِ المهامِّ بحيثُ يتمُّ تكريسُ كلِّ المهامِ الأخرى لخدمتِها والدّفاعِ عنها. وسيكونُ استمرارُ التّصدّي لصفقةِ القرنِ وما يترتّبُ عليها من إجراءاتٍ إسرائيليّةٍ على الأرضِ إحدى أهمّ جبهاتِ الدفاعِ عن مشروعِ بناءِ الدولةِ المستقلّة. وهنا يجبُ أنْ نتنبّهَ إلى مهمةٍ أخرى تحتلُّ مكانَ الصّدارةِ في لائحةِ الأولوياتِ الوطنيّةِ، وهي مهمةُ تكريسِ الانفكاكِ عن اقتصادِ دولةِ الاحتلالِ وتعزيزِ مقوّماتِ الاقتصادِ الوطنيَّ الفلسطينيِّ ليصبحَ قادرًا على المنافسةِ في مجالِ السّعرِ والجودةِ ووَفْرةِ الإنتاج. ويبقى موضوعُ متابعةِ القضايا الوطنيةِ الشاملةِ ضمن اختصاصاتِ منظمةِ التحريرِ الفلسطينيةِ ومجلسَيْها الوطنيِّ والمركزيّ، فهي المسؤولةُ عن شعبِنا الفلسطينيِّ في الوطنِ وفي مخيّمات اللجوءِ ودولِ الشتاتِ، وهي المكلفةُ بطيّ صفحةِ الانقسامِ الناتجِ عن انقلابِ حماس على الشرعيةِ الوطنيةِ. هذا الفصلُ بينَ مهامِّ السلطةِ والمنظّمةِ هو الذي يضمنُ التفرّغَ للتركيزِ على قضايا محدّدةٍ، وهو الذي يكفلُ التكاملَ في الأداءِ والجهدِ لتصبَّ النتيجةُ في مجرى مسيرةِ المشروعِ الوطنيِّ ذي الأهدافِ الواضحة.

 

يجبُ أن يكونَ هذا الفهمُ لطبيعةِ المهامِّ التي تنتظرُ المجلسَ التشريعيَّ والحكومةَ التي سيفرزُها مقياسَ اختيارِ المُرشّحينَ. فلا يُعقَلُ أن يدبَّ النشاطُ فجأةً في أجسادِ الكسالى والمعتَكفينَ في صوامعِ العجزِ والمُكتَفينَ بكيلِ الشتائمِ للواقعِ واتهامِ كلِّ ما حولَهم ومن حولَهم بالفسادِ والتقصيرِ، وأنْ يستقووا بعشيرتهِم أو منطقتِهم أو موقعِهم ظنّاً منهم أنّنا بصددِ إجراءِ انتخاباتٍ لوجهاءِ العشائر! ولا نبالغُ حين نقولُ إنَّ منعَ هؤلاءِ من ترشيحِ أنفسِهم يسبقُ في الأهميّةِ انتخابَ المرشّحِ الأصلَحِ والأقدرِ على المشاركةِ في العملِ الوطنيِّ خدمةً لمصالِحِ الشّعبِ والوطن.

 

*السلطةُ الوطنيّةُ ومؤسساتُها جزءٌ من المشروعِ الوطنيِّ الفلسطينيِّ وأداةُ "م.ت.ف" في بناءِ أسُسِ الدولةِ الفلسطينيّةِ المستقلّةِ، وعلى أصحابِ عقليةِ الاستقواءِ بالعشيرةِ والمنطقةِ والموقعِ أنْ يفهموا ذلكَ وأن يُريحوا شعبَنا من شرِّهم.

 

١٨-١٠-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان