إنّ التكامل بين الأردن والمشروع الوطني الفلسطيني مسألة لا تحتاج إلى إثبات واجتهاد، لعدة اعتبارات اقتصادية وسكانية وجيوسياسية واستراتيجية، فالأردن ليس فلسطين كما يدعي غلاة اليمين الصهيوني وأصحاب نظرية الوطن البديل، فقد سقط هذا الرهان بعد أن جرى تبادل رسائل الاعتراف المتبادلة بين ياسر عرفات واسحق رابين، والتي بموجبها اعترفت (إسرائيل) بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًّا للشعب الفلسطيني، على أساس تلبية طموحات الشعب الفلسطيني الوطنية والقومية والسياسية في وطنه فلسطين، وذلك بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي الذي بدأ في الخامس من حزيران 1967م وعودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه تنفيذًا لقرارات الشرعية الدولية وخصوصًا القرار 181 والقرار 194 والقرار 242 والقرار 338 والقرار 2236 وما تبعها من قرارات تؤكِّد إنهاء الاحتلال الاسرائيلي وإفرازاته من استيطان وغيرها، وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، كل ذلك وفقًا لوثيقة الاستقلال التي أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني في 15/11/1988 م، وقد جاء قرار فك الارتباط الذي أعلن من جانب الأردن في صيف 1988م وما تبعه من تطورات في هذا السياق، وقد تحملت بموجبه "م.ت.ف" المسؤولية السياسية كاملة عن الشعب الفلسطيني ، ومن ثم جاء انعقاد مؤتمر السلام الدولي في مدريد على أسـاس مبدأ الأرض مقابل السلام في 31/10/1991 م ، وما تلا ذلك من توقيع لاتفاق أوسلو في 13/9/1993 م بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وإتفاق وادي عربة الذي وقع في نوفمبر 1994 م بين الأردن وإسرائيل، جاء كل ذلك انسجامًا مع هذا التوجه في بلورة المشروع الوطني الفلسطيني وإسقاطًا لفكرة ونظرية الوطن البديل ومروجيها من اليمين الصهيوني، ووضعها في غياهب التاريخ وتأكيدًا على أنّ الحقوق التاريخية والوطنية والقومية والجغرافية والسياسية للشعب الفلسطيني لا بد من بلورتها وإنجازها على أرض فلسطين التاريخية ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط وليس على أي أرض غيرها.

 

إن المشروع الوطني الفلسطيني وانجازه هو الضامن الرئيس للاستقرار والسلام في المنطقة العربية، وهو الكفيل وحده بعدم العـودة بالمنطقة إلى الوراء والى المربع الأول في الصراع، وإلا سيدفع الجانب الفلسطيني للتخلي عن تلك الأسس للسلام والعودة من جديد إلى رؤية مبدأ الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية على أرض فلسطين التاريخية التي يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود من عرب وغيرهم في ظل سيادة القانون وتحقيق المساواة بينهم ومعالجة كافة نواتج الصراع العربي الإسرائيلي وفي مقدمتها إنهاء حالة اللجوء والتشرد الفلسطينية بتنفيذ حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم كحل وحيد لجلب الأمن والسلم والاستقرار للمنطقة وشعوبها، ضمن هذه الرؤية السياسية لإنهاء الصراع بكافة أبعاده، يدرك الأردن إدراكًا كاملاً أن المشروع الوطني الفلسطيني سواء في حده الأدنى أو في حده الأقصى يمثل صمام الأمان في المنطقة، والسياسات الأردنية في هذا الشأن منذ فك الارتباط مع الضفة الغربية وإلى الآن تأتي منسجمة مع المصالح الأردنية والفلسطينية في آن واحد، رغم تحفظات البعض على هذه السياسات وخصوصاً التيار الإسلامي الممثل في حركة الإخوان المسلمين في الأردن والتي استولدت حركة "حماس" الفلسطينية في سياق سياساتها ومواقفها الإعتراضية والمتحفظة على سياسات الدولة الأردنية في هذا الشأن، لأجل استدراج الأردن للتراجع عن فك الارتباط والعودة إلى استدراج الأردن ليلعب دور البديل عن منظمة التحرير الفلسطينية وعن المشروع الوطني الفلسطيني، ولكن الأردن يدرك خطورة مثل هذا التراجع ولذا يؤكد الأردن على رفضه التراجع عن سياسته المتبعة والقائمة على السعي لإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس والقابلة للحياة ، وعندها يمكن للأردن وفلسطين أن يرتبطا بكل الروابط الأخوية والجيوسياسية التي تقوم على أساس من التكامل التام والتي تخدم الطرفين، وهنا تبرز اليوم أهمية الإنفكاك الاقتصادي بين السلطة الوطنية الفلسطينية والكيان الصهيوني، والتحرر من قيود إتفاق باريس الاقتصادي، والتوجه نحو ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الأردني بشكل خاص والعربي بشكل عام، وفق السياسات التي وضعتها القيادة والحكومة الفلسطينية للتخلص من هيمنة الاقتصاد الإسرائيلي، والتي تسعى جاهدة لتنفيذها من خلال مراجعة إتفاق باريس وإستبداله بعلاقات اقتصادية واسعة مع الأردن وبقية الدول العربية.