تقرير: فاطمة المجذوب 

بدلًا من منحهم حقوقهم الإنسانية والمدنية كاملة، تمّت محاربتهم في لقمة عيشهم، وكأنَّ هذا ما كان ينقص اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. فقد استفاق اللاجئون على إعادة إحياء قرار من قبل وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان بحق العمال الأجانب يطال فيه الفلسطينيين أيضًا على اعتبارهم من الأجانب.

القرار الصادر عن الوزير يلزم كلَّ العمال الفلسطينيين بالحصول على إجازة العمل، حيثُ يتكفّل الفلسطيني أو المؤسسة التي يعمل في إطارها بدفع مبلغ مليون وربع المليون ليرة لبنانية سنويًا، علاوة على المبلغ الذي يتوجّب دفعه للضمان الاجتماعي وهو لا يقل عن ذلك، أي أن المؤسسة التي يعمل فلسطيني واحد ضمن طاقمها تتكفل بدفع 2,4 مليون ليرة (1500 دولار أمريكي)، في حين أنَّ اللبناني لا تتعدى رسوم تسجيله 56 ألف ليرة (نحو 40 دولارًا أمريكيًّا)، مما يضطر المؤسسة بطبيعة الحال للاستعاضة عن الفلسطيني بمواطن لبناني يكبدها رسومًا أقل لقاء الغرامات والضرائب المفروضة عليها سنويًا.

 

وعقب صدور القرار، بدأت لجنة مكلّفة من قِبل وزير العمل بإقفال مؤسسات يملكها فلسطينيون، وإيقاف عُمال عن وظائفهم، الأمر الذي رفع وتيرة المخاوف وزاد من حدتها، ممّا دفع الفلسطينيين للخروج إلى الشارع تنديدًا ورفضا لهذا القرار المجحف بحقهم.

 

*قانون العمل موجود منذ العام 1946

للاطلاع على تفاصيل هذه القضية التقى موقع "فلسطيننا" رئيس اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين صبحي ظاهر، الذي عاد بالتاريخ إلى العام 1946 ليوضح أنَّ قانون العمل كان موجودًا في تلك الحقبة، وعندما وقعت نكبة فلسطين وهُجر ما يقدَّر بمئة ألف فلسطيني إلى لبنان، استقبلوا في لبنان بترحاب وود على المستوى الرسمي والشعبي.

ويتابع: "وعلى المستوى الرسمي حضر رئيس الجمهورية آنذاك الرئيس بشارة الخوري من بيروت إلى مدينة صور لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين وخاطبهم قائلاً: (ادخلوا بلدكم)، إلى جانب موقف رئيس الوزراء والشعب، حتى أنَّ وزير الخارجية في تلك الحقبة حميد فرنجية كانت له كلمة مواساة قالها للشعب الفلسطيني حرفيًّا: (سنتقاسم وإياكم آخر لقمة خبز)".

 

وينوّه ظاهر إلى أنَّ "لبنان في العام 1949 وقّع اتفاقية الهدنة مع العدو الصهيويني حينها أدرك لبنان أنَّ وجود الفلسطيني فيه سيأخذ وقتًا طويلاً، بناءً عليه أخذ التضييق على العمال الفلسطينيين، تحديدًا في العام 1951، وقد وبقيت الأمور على حالها حتى العام 1962، إذ صدر قانون ينظّم عمل الأجانب. وفي العام 1963 بدأ تطبيق القانون على العمّال الأجانب ومن بينهم الفلسطينيين، فتدخَّل آنذاك رئيس الجمهورية فؤاد شهاب وأوقف تنفيذ هذا القانون قائلاً: إنَّه مع ترحاب في (اتخاذ كل ما يلزم من التدابير لتأمين العمل للبناني، ويجب معالجة قضية الفلسطينيين العاملين في لبنان في ضوء الرغبة بتأمين تسوية إنسانية على أن يتم ذلك بأقصى سرعة، وعلى المجلس أن لا يقفل البتة وجوب توفير حل يوفق بين مصلحة لبنان وواجبه الأخوي تجاه الفلسطينيين العاملين في لبنان".

 

ويشير ظاهر إلى أنَّه في العام 1969 أيضًا وُقعت اتفاقية القاهرة التي نصَّ البند الثاني منها على إعطاء الحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان لا سيما حق العمل.

ويردف: "بقي هذا الوضع ساريًا حتى العام 1990 حتى حصل خلاف بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية في شرق صيدا وبعد وقف إطلاق النار بين الطرفين سُلِّمَت الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للجيش مقابل إعطاء الحقوق الإنسانية للاجئ الفلسطيني في لبنان، ولكنَّ لبنان لم يلتزم، وبقيت الأمور حتى العام 1996 على هذا الحال. ومع مجيء مدير دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير د.أسعد عبد الرحمن جرى لقاء بيني وبينه حيث أُعدت أول مذكرة حول حق العمل والحقوق الإنسانية للاجئين الفلسطينيين".

 

ويتابع ظاهر: "قدَّمنا المذكرة لوزير العمل آنذاك عبدالله الأمين، ولكن لم ينفّذ شيء منها، حتى وصلنا لفترة تسلُّم معالي الوزير طراد حمادة وزارة العمل، وهو الذي أفسح المجال أمام الفلسطينيين للعمل. وفي العام 2010 شرّع معالي الوزير بطرس حرب قانون العمل دون أن يضع المراسيم التطبيقية للقانون الجديد وبقي الوضع على ما هو عليه حتى جاء الوقت الذي ترأّس وزارة العمل معالي الوزير كميل أبو سليمان".

ويُشدِّد ظاهر على أنّه من اللافت إعادة طرح قانون العمل بحق اللاجئ في هذه الفترة وهذا الوقت بالذات وهو ما أوجد هاجسًا لدى الفلسطينيين بأنّه مقدمة لتطبيق لبنود صفقة القرن.

 

*تداعيات تطبيق القانون على أبناء شعبنا

حول تداعيات هذا القانون على العامل الفلسطيني يقول ظاهر: "لكي يعمل الفلسطيني لا بدَّ من تصديق عقد عمل لدى كاتب العدل وتقديمه لوزارة العمل للحصول على إجازة العمل، ومن خلال الأبحاث هناك عشرات الآلاف في صفوف شعبنا ما بين عمال وأرباب عمل. وعندما أُسّست وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بموجب القرار رقم (٣٠٢) الصادر عن الأمم المتحدة أوكلت بمهمة معينة هي إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي إلزام الفلسطيني بإجازة العمل سيعطي الحق للـ"أونروا" بوقف خدماتها كافةً وتصفية وجودها، ممّا يعني تصفية القضية الفلسطينية، لذا تنفيذه مقدمة لصفقة القرن".

 

*تشكيل لجنة لمتابعة إجازة العمل

يوضح الحقوقي صبحي ظاهر أنّ لجنتان قد شُكلتا لمتابعة القضية، واحدة من قبل الطرف الفلسطيني وأخرى من قِبل الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس سعدالدين الحريري. وبعد اطّلاع لجنة الحوار الفلسطينية الممثِّلة لكافة مكونات المجتمع الفلسطيني على الرؤية اللبنانية الموحّدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان، وما تضمنته من إيجابيات، عمِلَت اللجنة الفلسطينية على إعداد مشروع قانون ينص على: "معاملة اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان والمسجَّلين في وزارة الداخلية والبلديات وفي المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين معاملة اللبناني باستثناء الجنسبة والوظيفة العامة".

أمَّا عن أبرز موجبات هذا القانون المقترح فيقول: "أولاً: تنفيذًا لما ورد في مقدمة الدستور اللبناني حيثُ ورد لا توطين. 

ثانيًا: بصدور هذا القانون يتم اعتبار تشريع الحقوق المدنية والاجتماعية قضية إنسانية لا بد من معالجتها على قاعدة فصلها عن مسألة التوطين كون التوطين يحتاج إلى ثلاثة عناصر متلازمة وهي: قرار دولي، قبول الدولة المضيفة (لبنان)، قبول فلسطين، وهذا مستحيل للرفض الفلسطيني القاطع لا سيما أنَّ هناك سوابق لا مجال لذكرها.

ثالثًا: تنفيذًا للتوصيات الصادرة عن مجموعة العمل اللبنانية حول قضايا اللاجئين الفلسطينيين حيثُ وافقت وأيدتها مكونات المجتمع اللبناني كافةً.

رابعًا: تنفيذًا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقع عليها لبنان.

خامسًا: إنَّ صدور هذا القانون يحصّن اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، وذلك بالتمسك بعزيمة بحقهم في العودة وتقرير المصير، وردًّا على قانون القومية الذي أصدره الكنيست الصهيوني وعلى صفقة القرن". 

ويختم ظاهر حديثه لـ"فلسطيننا" قائلاً: "إنَّ المشروع الذي قدَّمناه طالبنا فيه بحقوق عدة تخص اللاجئ الفلسطيني على رأسها حق العمل وإلغاء الإجازة، والمساواة في الرواتب والأجور وتعديل القانون 129 الصادر عام ٢٠١٠، (وينص على أن يُعفَى اللاجئون الفلسطينيون من رسوم إجازة العمل لا من الإجازة نفسها)، وبالتالي فإنَّ وزير العمل لن يعود عن خطته إلّا في حالة واحدة تتمثّل باتّخاذ مجلس النواب قرارًا بتعديل القانون ذي الصّلة، وعندها لكلِّ حادث حديث. كذلك طالبنا بتعديل قانون الضمان الاجتماعي رقم (١٢٨) إذ إنَّ على الأجير الفلسطيني أن يثبت صفته كلاجئ مسجّل في سجلات وزارة الداخلية كي يستفيد من القانونين 128 و129، وهذا يدحض فرضية أن حصول الفلسطيني في لبنان على إجازة عمل يفقده صفته كلاجئ".

 

*قنبلة موقوته انفجرت عقب صدور القرار

من جهته يؤكِّد أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان أبو إياد الشعلان أنَّ الضغوطات التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني كالقنبلة الموقوتة، وقد فُجِّرت هذه القنبلة بإعادة إحياء وزير العمل القانون المتعلّق بتنظيم عمل الأجانب وقراره تطبيقه على اللاجئ الفلسطيني، لافتًا إلى أنَّ الفلسطيني اليوم بات عرضةً لمزاجية الوزراء بسبب الافتقار إلى ورقة تنظم العلاقة الفلسطينية اللبنانية. 

ويتابع الشعلان: "نحنُ نريد أن نعامَل كلبنانيين وعلى الدولة بكل مؤسساتها أن تضع تصنيفًا محدَّدًا للفلسطيني في لبنان، فمن المرفوض أن يعامل الفلسطيني تارةً كأجنبي وتارةً أخرى كلاجئ. كما نطالب بتدخل مركزي فلسطيني على مستوى اللجنة التنفيذية بخصوص اللاجئين الفلسطينيين في لبنان".

ويشدّد على أنَّ تطبيق قانون العمل بحق اللاجئ الفلسطيني قد يؤدي لإلغاء وكالة "الأونروا" ذات الأهمية الكبيرة في حياة اللاجئ الفلسطيني.

وينوِّه الشعلان إلى الجهود الفلسطينية المبذولة من قِبَل قيادتنا الفلسطينية، وعلى رأسها سيادة الرئيس محمود عبّاس، للضغط على الدول المانحة لبقاء "الأونروا" واستمرار عملها، مؤكِّدًا أنَّ "الوكالة بالنسبة لنا هي الشاهد الحي السياسي على قضية اللاجئين الفلسطينيين".

أمّا عن التحرُّكات الاحتجاجية في المخيّمات، فيقول الشعلان: "هذه التحرُّكات اليوم هي تحرُّكات حضارية سِلمية وبناءً عليه نحنُ مستمرّون إلى النهاية حتى نيل حقوقنا ولا سيما حق العمل، وأخذ حقوقنا كأيِّ لاجئين فلسطينيين في أي دولة عربية أخرى".

"العودة" حقٌّ مقدّس

في زمن التطور والتشدُّق بالحريات واحترام حقوق الإنسان، هي ليست المرة الأولى التي تتّخذ قرارات عنصرية بحقِّ اللاجئ الفلسطيني. أكثر من سبعين عامًا وما زال الشعب الفلسطيني ينتظر قانونًا ينصفه ويخفف معاناته، ولكنَّه في الوقت عينه متمسّك بحق العودة ويواجه بكل قواه جميع المؤامرات الرامية للنيل من حقه وإدامة نكبته.