في خمسة شهور وثمانية أيام فقط، خاضت (إسرائيل) بقيادة بنيامين نتنياهو الانتخابات العامة مرتين: الكنيست الواحد والعشرين والثاني والعشرين، وقد جاءت هذه الانتخابات في ظل حالة غير مسبوقة من الانحياز الأميركي المكشوف والمفضوح لإسرائيل ولشخص نتنياهو بالتحديد. صحيح أنَّ الإدارات الأميركية كانت دائمًا منحازة لإسرائيل، ولكن ليست بهذه الكيفية التي أداها دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة الأميركية، ذلك أن حجم الهدايا السامة التي قدمها ترامب لحليفه نتنياهو تجاوزت كل الحدود المألوفة، وتجاوزت كل الشروط الضرورية للدولة الأكبر في العالم لكي تلعب الأدوار المنوطة بها، بل إنَّ ترامب تجاوز في ذلك حدود المسيحيانية اليهودية "الإنفجليكانية" التي ينتمي إليها، وتجاوز حتى الحدود التي يستطيع أن يحتملها الكثيرون من أعضاء إدارته التي حولهم إلى أشخاص في حالة هذيان بسبب أكاذيبه الخارقة لكل وصف، وجعلهم يدافعون عن قرارات تنتمي إلى الجنون وليس إلى أي شيء أخر، وخاصة ضد قضية من أقدم قضايا العالم وهي القضية الفلسطينية، في موضوع يحتاج إلى كل الدراية والحكمة، لا إلى الجعجعة والتغريدات المهووسة، انظروا بالله عليكم، لا قدس لفلسطين، ولا دولة، ولا لاجئين، أي لا عودة، ولا مساعدات، ولا سفارة في واشنطن، ولا أونروا، فقط نتنياهو الذي أدمن ترامب تبادل القبل والصور معه، وتبادل الأقلام التي يوقع بها قراراته الغبية، القيادة الشرعية الفلسطينية على رأس شعبها قالت له لا.. لا كبيرة، لا عالية الصوت، فكانت الـ(لا) القاطعة، فأين هو نتنياهو الآن؟؟ يحاول التحايل كعادته، لكنه مكشوف، والصوت العربي في (إسرائيل) كما قالت معادلة القائمة المشتركة، صوت أكثر لصالح القائمة المشتركة يعني صوت أقل لليمين الإسرائيلي، والمشكلة تتفاعل، هل يهرب نتنياهو إلى انتخابات ثالثة؟؟؟ إذا استطاع فسوف يفعلها، لقد أثبت أنه لا يحترم شعبه، أم يذهب إلى حكومة وحدة، فمن يثق، فكيف سيتمكن من الحماية وعدم المساءلة عن ملف الفساد الكبير؟؟؟ وترامب الذي كان يعتقد أنَّ نتنياهو سيساعده لدى يهود أميركا في انتخابات 2020، وجده عاجزًا عن مساعدة نفسه.
يوم غد الأحد ستبدأ مداولات تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والاحتمالات كثيرة، ولكنَّ الهدف الرئيس الذي كان يسعى إليه نتنياهو لن يتحقق، وهو الحصول على الحصانة حتى لا يذهب إلى التحقيقيات التي تفضي به إلى السجن، بل إنّه حتى لو قبل حزب أزرق وأبيض بحكومة وحدة وطنية مع الليكود والأحزاب الموالية له الأخرى، فإن شرطها أن تكون برئاسة بني غانتس حتى يكون في إمكان نتنياهو أن يتفرَّغ للتحقيقات التي يعرف أنها بدون الحصانة التي يسعى إليها بقانون جديد من قوانينه العنصرية الهزلية مثل قانون العنصرية البائدة ضد المواطنين العرب في الدولة، وعندما يكون نتنياهو في مثل هذه الحالة، فكيف سيقبض دونالد ترامب ثمن هداياه، المشهد سيكون معقَّدًا جدًا، وكاشفًا للغاية، هذه هي دولة (إسرائيل) على حقيقتها، لا تعرف إلا الشذوذ والعدوان، والتنكيل اليومي بالفلسطينيين، سواء كانوا في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، أو داخل الخط الأخضر في (إسرائيل) نفسها، إنهم الفلسطينيون، لقد حان أوانهم ليكونوا من صانعي الحقيقة في هذه المنطقة، شاء من شاء وأبى من أبى، فإلى الأمام يا أبناء فلسطين.