لا نستبعد تحوُّلاً مُفاجئًا دراماتيكيًّا في نظام تل أبيب السياسي، إذا تمكّنت القائمة المشتركة، وتمكّن المؤمنون بالسلام من تحقيق فوز نوعي متقدّم وأصبحوا قوة ثالثة في الكنيست، ومن السيناريوهات التي لا تغادر مخيلتنا، انقلاب اليمين المتطرّف وربما على رأس نتنياهو ذاته على نتائج صناديق الاقتراع، وتحويل (إسرائيل واحة الديمقراطية) كما ادعوها دائمًا زورًا وبهتانًا، إلى حلبة صراعات تفوز فيها النزعات الدكتاتورية المتأصّلة ليس في شخص نتنياهو وحسب، بل في نفوس وأنماط تفكير من ساسة اليمين المتطرّف الذي لم يعد يرى منهجًا كسبيل لفرض وجوده إلّا الإرهاب والاحتلال والاستيطان، وبذلك تصير (إسرائيل) فعلاً (دولة الإرهاب والعنصرية) أو العنصرية الإرهابية التي فازت بدولة.. ومع ذلك ننتظر من جماهير الشعب الفلسطيني في مدن وقرى فلسطين ضمن حدود العام 1948 الذين يملكون حق الانتخاب والتصويت في الانتخابات للكنيست الإسرائيلي منح هذا الشعب العظيم المتطلّع بأبصاره وبصيرته وقلوبه وعقوله نحوهم، شرف إدخال مصطلح جديد على قاموس النضال السلمي الإنساني السياسي، تختصر فيه عملية زلزلة (معبد العنصرية)، وإطاحة أعمدتها، أو على الأقل عملية ارتجاج تحدث الشروخ والانكسارات التي يستحيل إعادة ترميمها بما يقصر عمر بناء أنشئ على عظام ضحايا بشرية.
ننتظر من جماهيرنا العربية في الداخل، ومن المؤمنين بالسلام في (إسرائيل) تبشير العالم، ببدء العد العكسي لانهيار آخر منظومة استعمارية عنصرية، ما زال اليمين الإرهابي المتطرف يتبنَّى أساليب وأدوات ومنهج الاستعمار والغزوات في عصور البشرية المتوحشة لتثبيت أركان حكمه على الشعب الفلسطيني، وعلى إسرائيليين مؤمنين بالسلام.
بلا سلاح ولا عنف وبلا صراخ حتى، فالمطلوب ليس أكثر من ورقة وإشارة يرسم عليها الفلسطيني العربي صاحب الحق في التصويت نقطته الضرورية اللازمة لرسم خريطة المستقبل، تتصل بها نقطة الإسرائيلي المؤمن بالسلام وحق الشعب الفلسطيني بإنجاز استقلال وطني وقيام دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ولعلَّ مليون نقطة تمكن المتطلعين للتحرر من قيود (معبد العنصرية) من صنع المفتاح اللازم لفكها، أو تصميم قوة ضاغطة تكسر أقفاله وتكبح استكبار صانعيها.
الصوت العربي اليوم في صناديق الاقتراع لانتخابات للكنيست لصالح القائمة المشتركة سيكون خطًّا فاصلاً بين أن تكون الجماهير العربية في الداخل لاعبًا رئيسًا يسجّل الأهداف لصالح الأجيال القادمة، وبين لاعب يبقى على كرسي الاحتياط لا يقل عن شأن المتفرج المتحمس، وهذا ما لا يرضاه عربي فلسطيني يمتلك حق الاقتراع، فالوطني لا يحتمل الجلوس في مواقع المتفرجين.
قبل ثلاثة وأربعين عامًا أضاف المواطنون الفلسطينيون في فلسطين التاريخية والطبيعية (يوم الأرض) إلى سجل كفاحهم ونضالهم، فبات يومًا وطنيًّا ليس فلسطينيًّا وحسب بل عربيًّا وعالميًّا، أمّا اليوم فإنهم قادرون فعلاً على حفر (يوم وطني) آخر في صخرة التاريخ، ليبقى شاهدًا على (وعي وطني) إنساني سياسي نوعي غير قابل للتحلّل أو الانشطار أو الذوبان، وعي لولاه لنجح المشروع (الاستعماري - الصهيوني) في انتزاع مقومات الشعب منا وحوّلنا إلى مجرد مجموعات سكانية هنا وهناك نهيم على وجوهنا في الأرض نطلب اللجوء لضمان عيش ولو كان في الضنك!
 اليوم يتطلع العالم الديمقراطي الحر المؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني لرؤية دلائل وبراهين على مستوى رقي الوعي النضالي السلمي لدى الشعب الفلسطيني، وعلى قرائن تجذر إيمانهم بأن الشعب الفلسطيني والمؤمنين بالسلام في (إسرائيل) لقادرون على التعايش تحت مظلّة سلام ترفع على أرضية وقواعد وقوانين الشرعية الدولية، وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
العالم يحتاج جرعة شجاعة ليقف بصلابة في وجه الحملة الاستعمارية الجديدة المصممة خططها في مكمن رئيس الإدارة الأميركية دونالد ترامب، جرعة لا يستطيع أحد إنتاجها إلّا الفلسطينيين والإسرائيليين المؤمنين بالتعايش على قاعدة قيام دولة فلسطينية مستقلة على أرض فلسطين على حدود الرابع من حزيران من عام 1967، فهذا مزيج من إرادة جماهير الشعب الفلسطيني في الداخل وإرادة إسرائيليين مؤمنين بالسلام.
نتطلّع ومعنا كل الأحرار في العالم إلى مساء هذا اليوم، حيث إمكانية إحداث تغيير جوهري في مفاهيم المجتمع الإسرائيلي وكيفية رؤيته للسلام، وإقناعه بالعدول عن التمييز والاستكبار، ودفعه إلى محاولة اختبار مبدأ العدل والمساواة، لعل هذا المجتمع المُضَلَّل يستيطع ادراك مدى الخديعة والتضليل الذي ذهبت اليه الأحزاب اليمينية المتطرفة، لتبقى قادرة على توجيهه بريموت كونترول الرعب والخوف على المصير والوجود، وتزجه في (حروب تمثيلية) لإقناعه أكثر فأكثر، وأنهم إن لم يبلغوا النضج والوعي والفهم الحقيقي لمعنى الحقوق والقيم الأخلاقية الإنسانية والقوانين والمواثيق الدولية، فإن ساسة هذه الأحزاب سيمضون في غيهم، وسيتمكنون من تصميم كل البرامج التي تتيح لهم التحكم ليس بتوجهاتهم السياسية وحسب، بل بأكل وشراب كل فرد منهم في دولة متمردة على المجتمع الدولي الذي قرر إنشاءها وحملت اسم (إسرائيل)!