انطلقت، مساء السبت الماضي، فعاليات "غزة آرت" بافتتاح معرض "مقارنات تأملية"، الذي أشرف عليه القيم د. بهاء أبو دية، ويستمر حتى نهاية تموز الحالي في أرض المعارض بمنطقة الشاليهات في مدينة غزة، بحضور ما يقارب 1000 شخص.
ويأتي تنظيم هذا المعرض اختتاماً لمشروع "روابط معاصرة" الذي تعمل على تنفيذه دائرة الفنون البصرية في الاتحاد العام للمراكز الثقافية بغزة؛ و"محترف شبابيك للفن المعاصر"، في إطار مشروع "الفنون البصرية: نماء واستدامة" الذي يقوم عليه برنامج الثقافة والفنون في مؤسسة عبد المحسن القطان.
ويهدف معرض مقارنات تأملية، إلى التأمل والمقارنة في التجارب الفنية على مستوى تطور الإبداع بشتى أنواعه بين ما هو معتاد وما هو غير معتاد في المشهد الفني المحلي، لا سيما فيما يتعلق بتطور الوسائط الفنية وما يحمله من تجديد في المفاهيم.
ويقدّم المعرض أعمالاً مُنتجة سابقاً لـ 64 فنانة وفناناً، منهم 39 من الفنانات والفنانين الذين شاركوا في الفرص المتنوعة التي قدّمها مشروع "روابط معاصرة"، سواء أكانت منحاً إنتاجية أم إقامات فنية، أو ورشات في مجالات الفنون المعاصرة، إلى جانب تقديم أعمال ثمانية رواد من مؤسسي الحركة الفنية في غزة، إضافةً إلى أعمال 11 فناناً وفنانة ممن استجابوا للدعوة المفتوحة وتقدّموا بطلبات للمشاركة في المعرض، فيما اختار قيّم المعرض 6 فنانين وفنانات آخرين للمشاركة.
بدوره، أشار أبو دية، وهو قيم الفن المعاصر في مطافئ، مقر الفنانين في الدوحة، إلى أنّ هذا المعرض يطرح مجمل التجارب المعاصرة الفنية في قطاع غزة، سواء تلك التي استلهمت مواضيعها وأدوات تعبيرها من أصناف الفنون الكلاسيكية وأساليب التعبير التقليدية، أم تلك التي انحازت إلى وسائط متعددة جديدة، وذهبت إلى عوالم التجريب.
وينقسم المعرض إلى ثلاثة أقسام، الأول هو "في حدود المعتاد"، ويقدم أعمال 26 فناناً وفنانة، تتجلى فيها ممارسات فنية عدة، تستند إلى الطرح المباشر والتقريري للحدث المعاش، وتأتي في مجملها بتأثرٍ مباشرٍ من أدوات التعبير البصرية المتعارَف عليها، والتقنيات التقليدية في عالم الفن، من رسمٍ ونحتٍ وتلوين على القماش. ويُعالِج الفنانون هنا، وينحازون بشكلٍ واضحٍ لمواضيع تستلهم واقع الحياة السياسية والاجتماعية في غزة، وتتبنى رمزيات النضال والتعبير المباشر عن الكارثة ومأساة الوطن، مثل الأرض، والمخيم، والمرأة، والحصار... وغيرها.
وقال الفنان ميسرة بارود، والمشارك ضمن هذه الفئة: "تعتبر المشاركة في هذا المعرض التجربة الأكثر نضجاً من حيث الترتيبات التي ترتقي لمستوى العروض الدولية، وهي فرصة للمشاركة بأعمالي وتجربتي الفنية في الرسم التي تطرح بعض القضايا التي نمر بنا، كقضية تهويد القدس، والفضاءات الضيقة المنعكسة علينا بفعل الحصار والاحتلال".
أمّا القسم الثاني فهو "في حدود اللامعتاد"، ويقدم أعمال 30 فناناً وفنانة، في مجال الممارسات الفنية المعاصرة التي تمتاز بالتجريب والابتكار، مع إخلاص للفكرة حتى وإن أتى ذلك على حساب الأدوات، بحيث تتبنى مقاربة الاستلهام المعنوي من الواقع المعاش، لكنها تطرح الأفكار، وتعالج المفاهيم عبر أسلوبٍ دلالي مواربٍ وغير مباشر، حيث يقدم تجارب فنية عدة، ترتكز على مبدأ التجريب من خلال أعمال استُخدمت في إنجازها وسائط متعددة، من فيديو وتجهيز في الفراغ وتصويرٍ فوتوغرافي. ويأتي الفنانون المشاركون في هذا القسم من مشارب عمرية متنوعة وتجمعهم رغبتهم المشتركة في التجريب واختيار وسائط جديدة للتعبير.
وعن تجربتها، قالت الفنانة رفيدة سحويل، المشاركة عن فئة اللامعتاد: "أنا أرى أنّ هذا المعرض هو تظاهرة مهمة لأنّها تجمع شتى أنواع الفنون التشكيلية والوسائط المختلفة، وتحقق للمشاهد ذاكرة أو ثقافة تجاه الفنون البصرية، وهذا أمر غير معتاد، والمجتمع متعطش لهذه الإمكانيات أو المعارض. أنا سأعرض أعمال الفيديو آرت التي أنتجتها من خلال المنح الإنتاجية في مشروع "روابط معاصرة"، بعنوان "مواجهة" وتناولت فيها الحياة اليومية للناس في قطاع غزة، واخترت الفيديو لأستطيع التعمّق في المواضيع التي أتناولها".
بينما يقدّم القسم الثالث بعنوان "في حدود الريادة" أبرز التجارب الفنية الرائدة في غزة، عبر تقديم أعمال كوكبةٍ من الأسماء الطليعية في الحركة الفنية بالقطاع، ممن ساهموا في ظهور حركة الفن التشكيلي في القطاع منذ مطلع السبعينيات، وشاركوا في تدريب وتعليم الفنانين المعاصرين، سواء في مجال التعليم الأكاديمي أو في الورشات التدريبية. وتتركز أعمال هذه الفئة في مجال الرسم، وهم د. شفيق رضوان، وفايز الحسني، وفايز السرساوي، ود. أحمد أبو الكاس، وفتحي غبن، وتهاني سكيك، إضافة إلى مشاركة أعمال للفنانين الراحلين كامل المغني وبشير السنوار.
ويأتي هذا المعرض كجزء من فعاليات "غزة آرت" التي تشمل، أيضاً، على حلقة نقاش حول الفن الفلسطيني، أقيمت أمس، بمشاركة كل من الفنانة مجدل نتيل، والفنانين فايز السرساوي وأحمد الحاج، ومحمود أبو هشهش مدير برنامج الثقافة والفنون في مؤسسة عبد المحسن القطّان، فيما سيقدم قيّم المعرض محاضرة حول الفن العربي في اليوم الأخير من "غزة آرت". كما سيتم تنظيم جولات عدة يقودها القيم الفني في المعرض لمجموعات مختلفة من الجمهور.
ويستمر "غزة آرت" لخمسة أيام، ومن المؤمّل أن يكون هذا بداية حدث فني سنوي في غزة، وستكون فرصة مهمة لجذب الفنانين والفنانات من أنحاء مختلفة من العالم للمشاركة في هذا الحدث الفني، على الرغم من حالة الحصار القاسي المفروض على القطاع منذ سنوات.
يُذكر أنّ هذا الحدث الفني هو ثمرة مشروع "روابط معاصرة"، الذي يحاول الاستجابة لاحتياجات فناني قطاع غزة من خلال سلسلة مساقات فنية ومفاهيمية تدريبية، بالتعاون مع خبرات عربية وأجنبية، وتنفيذ إقامات فنية، وتوفير منح إنتاجية لعدد من الفنانين والفنانات، إضافة إلى دعم فرص استدامة الاتحاد وشبابيك.
بدوره، قال شريف سرحان، المدير الفني لمشروع "روابط معاصرة": "تجربتنا خلال المشروع هي الأولى من نوعها في غزة، وربما في فلسطين نظراً لأن التدخلات جديدة ومختلفة عن سابقاتها؛ من حيث المراكمة في المعرفة والوسائط المستخدمة، ومن ناحية إعادة التفكير في العمل الفني، وإعادة استخدام أدوات جديدة. هذا المشروع خلق مساحة لإيجاد توجه وتفكير مختلف في المجال الفني عن السنوات السابقة".
وفي سياق التعليق على هذه الفعالية الختامية، قال أبو هشهش: "إن من شأن هذا الحدث أن يشكل نقطة فارقة في المشهد الفني بقطاع غزة، لا سيما من خلال الكيفية التي تم بها بناء هذا المعرض من قبل قيّمه الفني، بطريقة تتيح للأعمال الفنية المختلفة المشاركة، أن تكون في حال حوار واشتباك، بما يحمله ذلك من فرص لتوليد معرفة جديدة ومهمة، سواء للعاملين في الحقل الفني أو للجمهور العريض، وفي الوقت ذاته، من شأن هذا المعرض أن يساهم في رصد فصل مهم من فصول تاريخ تطور حركة الفنون البصرية في القطاع بشكل خاص، وفلسطين بشكل عام.