إيرلندا هذه الدولة الأوروبية الساحلية التي عانت ظروف الاحتلال البريطاني في مطلع القرن الماضي، حصلت مؤخّرًا على لقب "أفضل راعية لحقوق الإنسان" بشهادة من منظمة اليونسكو الدولية، واجتمع فيها الأحد وزير خارجيتها مع وزراء خارجية دول فلسطين وفرنسا والأردن وقبرص (الرومية) والسويد وإسبانيا، بالإضافة إلى أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، للتباحث بشأن آخر المستجدات المتعلِّقة بعملية السلام في الشرق الأوسط.

الاجتماع الذي وُصِفَ بالتشاوري وتناول في أجندته الرئيسة القضية الفلسطينية والأوضاع الإقليمية والدولية، أتى بعد أيام من انتهاء مؤتمر وارسو في العاصمة البولندية، الذي وُصِفَ بأنه مؤتمر استعراضي لدعم نتنياهو انتخابيًّا وإظهار أنَّ التطبيع العربي مع الاحتلال قد أصبح قويًّا، واعتبره ترامب بأنَّه يمهِّد لإعلان صفقة القرن. وارسو أراد أن يُرسل برسالة للقيادة الفلسطينية بأنَّ قضية فلسطين لم تعد من الأولويات، بينما دبلن يُطمئن القيادة الفلسطينية بأنَّ قضية فلسطين هي رأس الاستقرار الإقليمي ولا يمكن إلّا أن تكون في الأولويات. ويتساءل البعض ما علاقة إيرلندا بفلسطين، والجواب يأتي من خلال سرد بعض الوقفات عبر السنوات الماضية، ففي سبتمبر الماضي وصل الرئيس محمود عبّاس إلى العاصمة الإيرلندية دبلن في زيارة رسمية التقى خلالها الرئيس الإيرلندي مايكل هيغنز، ورئيس الوزراء ليو فارادكار، وكان ضمن جولة أوروبية بدأت من فرنسا لبحث آخر التطورات في فلسطين والمنطقة. وتحتل القضية الفلسطينية مكانًا مميّزًا في ضمير الإيرلنديين، وبالرغم من بُعد المسافات بين القدس ودبلن، فهناك التقاء إنساني وبُعد أخلاقي، ومسار تاريخي نضالي متشابه ضد الاستعمار البريطاني، واليوم النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي ترفضه إيرلندا، حيث رفعت الحكومات الايرلندية المتعاقِبة منذ انضمام إيرلندا إلى الاتحاد الأوروبي في العام 1973 لواء تأييد القضية الفلسطينية داخل أوروبا، وكانت إيرلندا أول عضو أوروبي نادى بقيام دولة فلسطينية في شباط1980م. ويُذكَر أنّه وفي مطلع انتفاضة الأقصى في العام 2003، وأثناء حصار الرئيس الشهيد ياسر عرفات، وفي الوقت الذي كانت ترفض "إسرائيل" استقبال الشخصيات الأجنبية التي تلتقي الزعيم الفلسطيني خلال زيارتها للمنطقة، قام بريان كوين -الذي أصبح بعد ذلك وزير خارجية إيرلندا- بزيارة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وأبدى تضامنه معه ومع القضية الفلسطينية.

إنَّ لقاء دبلن التشاوري والذي انطلق الأحد يؤكِّد أنَّ القضية الفلسطينية حيَّة، وأنَّه لا يمكن أن يستمر التغوّل الأمريكي والانقلاب على القانون الدولي، أو يحصل تحريك سياسي بدون وجود قوى ومرجعيات دولية ضاغطة ومؤثّرة، وقادرة على إيجاد واقع دولي أفضل في ظلِّ الهيمنة والانحياز الأمريكي المرفوض فلسطينيًّا، حيثُ أنّ القيادة الفلسطينية مستمرة في مقاطعتها للإدارة الأمريكية منذ عام تقريبًا وترفض تفرُّد الإدارة الأمريكية بأيِّ حل سياسي من دون وجود الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا وكل الدول الفاعلة والرافضة للقرارات الأمريكية التي قد تفجّر الصراع المتجذِّر، وتعيق عوامل التنمية والاقتصاد والأمن في الأراضي الفلسطينية المحتلة.