لم يستمر أيُّ رئيس وزراء في حكم (إسرائيل) كما استمرَّ نتنياهو، فهو تفوَّق على القادة التاريخيين من مؤسّسين وجنرالات خاضوا حروبًا من أجل بقاء (إسرائيل) أمثال ديفد بن غوريون ومناحيم بيغن ورابين وشارون وشمعون بيريس.

المشكلة، والتي تُبرِز حجم المأزق الذي يعيشه هذا الكيان الاستعماري أنَّ نتنياهو لا يعدو كونه بهلوانًا بلا أيِّ رصيدٍ عسكريٍّ أو حتى بعد تاريخي يعتدُّ به، فكلُّ ما يتقنه هذا البهلوان هو اللعب على الكلمات، وإثارة خوف ورعب الجمهور الإسرائيلي بالتهديد الخارجي المصيري، وبتقديم نفسه بأنَّه الأذكى والأقوى لمنع هذا التهديد. ويستند نتنياهو إلى شبكة علاقات محلية وعالمية، خاصة في أوساط أقصى اليمين الأميركي، وهي ذات طابع مافيوي فاسد يساند مَن فيها بعضهم البعض دون أيِّ أخلاق أو مبادئ.

مأزق (إسرائيل) يتَّضح في عدم قدرتها على إيجاد قيادة أو قائد بديل لهذا البهلوان الفاسد، لذلك هو مطمئن ويتصرَّف كدكتاتور محيِّدًا مؤسسات الدولة القانونية وغيرها، والتي أصبحت أعجز من أن تواجهه.

مأزق (إسرائيل) ليس ناجمًا عن شطارة هذا البهلوان، فهو مأزق بنيوي يبدأ بالفكرة الصهيونية الاستعمارية العنصرية ولا ينتهي بنظام (إسرائيل) الديمقراطي الذي هو استمرار للفكرة العنصرية المؤسِّسة لهذه الدولة.

في هكذا دولة يبدو كلُّ شيء كذبة من اليسار إلى اليمين فكلُّهم صهاينة. ولكن بالتأكيد أنا لستُ من هؤلاء العدميين أو المصابين بعمى الحقد، لذلك يجب أن أُشير إلى أنَّ هناك في (إسرائيل) مَن يؤمن بالسلام ويرفض العنصرية، وهؤلاء كانوا يشكِّلون حالة داخل (إسرائيل) في مراحل سابقة، ولكن ولكون المؤسسة كلّها عنصرية، تراجع دورهم وتأثيرهم لنصل نحن وهُم إلى واقع يتحكَّم فيه أمثال نتنياهو بالمشهد السياسي.

من هنا فإنَّ ظاهرة رئيس الأركان السابق بيني غانتس من غير المرجَّح أن تُطيح بنتياهو لأنَّه بدأ حملته الانتخابية بالطريقة البهلوانية نفسها وبنفس الطريقة من اللعب على مفردات اللغة ووتر الخوف المزمن عند الإسرائيلي، فهو لم يطرح بديلاً جديًّا لنتنياهو، فكلُّ ما يطمح إليه هو أن يكون شريكًا في الحكم ووزيرًا للحرب في حكومة نتنياهو القادمة بعد الانتخابات.

ويجب ألّا يغيب عن بالنا ونحن نراقب الانتخابات الإسرائيلية أن نرى مَن يحكم في البيت الأبيض الأميركي، فترامب وما يمثِّله من أقصى اليمين الأميركي هو الشبكة التي ينتمي إليها نتنياهو، ولذلك هو مطمئن بالرغم من ملفات الفساد التي تلاحقه، فما دام الفساد هو السائد فلماذا لا يعود البهلوان الفاسد ليحكم (إسرائيل) مرة أخرى؟!